صلاة الجمعة – 18 اکتوبر 2019

خطبة الجمعه لمناسبة الاربعين الحسيني عام 18 اكتوبر 2019 المطابق 19صفر1441
في هذه الايام نعيش ذكری الاربعين للامام الحسين(ع) كل منا يعرف ان السنة تتكون من ايام لها اسمائها و اوصافها و اوقاتها لا تختلف عن بعضها البعض في تلك الميزات ولكن تبرز منها ايام و قد تميزت عن الباقي لوقوع حدث فيها سواء كان هذا الحدث ذا ميزة حسنة فانه يضفي عليها ما يحمله فتكون لها وقع في نفوس الناس بالانجذاب اليها و تقديسها فيوم الاربعين واحد من تلك الايام الذي قد تميز علی مر السنين و الايام لانه اربعينا لشخصية عظيمة قد شق اسمها من اسم الله تبارك و تعالی و قال في حقها رسول الله (صلي الله عليه و آله) «حسين مني و انا من حسين احب الله من احب حسينا» و قال الامام الصادق (ع) في حقه «كلنا سفن النجاة ولكن سفينة جدي الحسين اوسع و اسرع» و هكذا بقية الائمة (عليهم السلام) قالو في حقه. ا لعشرون من صفر محطة من محطات ركب الفتح الحسيني (ع) الذي انطلق من المدينة مرورا بمكة وكربلاء ثم الكوفة والشام ومنها راجعا الی المدينة، محطات لفتح الشهادة وللشهيد الفاتح ومن اشترك معه في ركبه الخالد الذي انطلق تحت شعار الفتح الذي رفعه الحسين (ع) «ومن لم يلحق بنا لم يبلغ الفتح» انه فتح القلوب قبل فتح الجيوش وفتع الدماء الخالدة قبل فتح السيوف.كيف لا وهي الدماء التي اقشعرت لها اظلة العرش وسكنت في الخلد كما ورد عن خلود هذه الدماء في زيارات الائمة (ع) للشهيد الفاتح (ع) فبعد ان اسدل الستار عن طف الخلود انطلقت شخصيات الركب لتكمل مسيرة الفتح، هذه الشخصيات هي ابطال الاعلام الحسيني (ع) شهود الواقعة الذين مزجوا الحزن بالكرامة والاذی بالصبر وحولوا المظلومية ودموع اليتامی الی آلية، في نصر الحق، وقد تقاسموا الادوار في نشر انوار الواقعة الحسينية واهدافها الحقة التي بذل سيد الشهداء (ع) من اجلها دمه واولاده واخوته واصحابه حتی رضيعه الذي ظل صورة رائعة شاهدة تحفظ القيم رسمت بدم الطفولة ونحن أمام هذه الذكری الخالدة نری مع الحسين (ع) الكثير من الدروس والعبر؛ لأنّه الانسان الذي اطلق اسلامه ليتحرك في الحياة ليقوِّم أيَّ انحراف في الفكر وفي السلوك ليسلط عليه ضوءاً من روحه وعقله ليقودنا إلی الاستقامة، وكان (ع) قد انفتح بمحبتة علی الناس كلهم؛ لان الانسان الذي يحب الله لابد أن يحب عبادالله، فالمؤمن لا يبغض الناس، بل يبغض الفسق والفجور والتكبّر لأنّه انحراف عن الطريق الذي أمرنا الله به ومن خلال هذه المناسبة نسلط الضوء علی ثورته(ع) من ناحيتين، الاُولی: أنّه يختلف عن خط الثائرين الاخرين فهؤلاء غالباً ما يركزون علی الخطوط العامه للاوضاع السلبية لدی الاخرين الذين تتوجه الثوره ضدهم، ونری ان البعض يحبون الامام الحسين(ع) حباً عاطفياً ولا يعيشون عمق الالتزام الاسلامي بالمعنی الحركي الذي يحكم الانسان في كل قضاياه، ومن خلال كلماته (ع) نستوحي منها العقل والطاقة وليس العاطفة من قوله (ع) : «لا يكمل العقل إلا باتّباع الحق»، فالعقل لا يكمل إلا باتباع الحق؛ لأنّه ليس مجرد طاقة تفكر بها وإنّما هو طاقة تفكر وتحاور حتی تصل إلی الحقيقة،..الناحية الثانية: ما هي علاقتنا بالاربعين؟ وهل ثورة الامام الحسين (ع)‌تمثل حالة الاسلامية… ؟ هناك كثير من الناس يتصور أن ثورة الإمام الحسين(ع) وذكری عاشورا والاربعين هي حالة دينية تقليدية ويتذكرون جانب المأساة بعيداً عن جانب الحركة ومن هنا بفكر بعض الناس بأنّ قصة الإمام الحسين(ع) هي قصة الدمعة التي نستنزفها من عيوننا لتعبر عن حزننا وألمنا، ويفكر بعض الناس أنّه من خلال هذه الدمعة يحصل علی غفران الله من كل ذنب ارتكبه، ويتصورون أن القضية قضية دينية بحته ولا دخل لها بالنشاط الاجتماعي ـ السياسي، والقضايا الدينية يجب أن لا ترتبط بالقضايا السياسية، وإنّ من المؤسف أن نری بعضاً من المحسوبين علی الدين والمذهب الحقّ ممّن

يقيمون العزاء علی سيد الشهداء بطريقة مأساوية، ويشترطون علی الخطيب أن لا يبتعد عن المصيبة، لان الثورة الحسينية مناسبة دينية هذا حسب رأيهم، ونسوا أن حركة الامام الحسين(ع) هي التي تعطي الشرعية للحركة الاسلامية كما جاء في الحديث الشريف: «من أصبح وأمسی ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»، معنی هذا الحديث أن حركة الامام الحسين(ع) هي حركة سياسية اسلامية، وأن الامام الحسين(ع) ليس شخصاً عادياً في التاريخ، وانّما هو قائد سياسي ينطلق من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان وأتباعه هي السفلی، كما صرح هو(ع) في أوائل انطلاقته بالنهضة المباركة: «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدي رسول الله (ص)، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهی عن المنكر وأسير بسيرة جدي رسول الله(ص) وأبي أميرالمؤمنين(ع)».فثورته(ع) وما تابعها كانت تهدف لتحرير الإنسان من أسر العبودية للإنسان إلی حرية العبادة لله تعالی. كما صرح بذلك (ع) مخاطباً جيش يزيد في عرصة كربلاء: «إن لم تكونوا عُرُباً فكونوا أحراراً في دنياكم».
ایها المومنون و ایتها المومنات علينا جميعا ان نتأمل ونحن في رحاب الربعینیة الحسينية ما هو منهاج الإمام الحسين الذي فيه خلاص من تمسك به؟ ما هي أصوله وبرامجه ما هي الأدعية المناسبة لتحول هذا المنهاج الى دستور لحياتنا اليوم ونحن بدورنا فكّرنا وسألنا الله ان يهدينا الى سواء السبيل ونذكر لكم فيما يلي بعض التوصيات التي استلهمناها من ذلك المنهاج أولا: كتاب الله وعترة الرسول:
حينما قرب من النبي صلى الله عليه وآله الرحيل الى الرفيق الأعلى أوصى امته بما فيه خلاصهم ونجاتهم فقال صلى الله عليه وآله:
(اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي اهل بيتي
ثم اضاف ..وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض). وكتاب الله والعترة النبوية الطاهرة هما نور واحد يشع من مشكاة واحدة. فالكتاب امام صامت والامام كتاب ناطق. وهما لا يفترقان ابدا وهاهي الامة أضاعت الثقلين فأحاطت بها أمواج المآسي. وان كتاب الله اول شاك يوم القيامة حين يشكو الامة من هجرانه. وهو شافع مشفع وماحل مصدق من جعله امامه قاده الى الجنة ومن جعله خلفه ساقه الى النار كما قال النبي صلى الله عليه وآله.. فعلينا ان نتسلح ببصائر الوحي حتى نتجاوز المحن ونصبح ـ بإذن الله ـ. علينا ليس فقط التداوم في تلاوة كتاب الله المجيد، وإنما ايضا المزيد من التدبر في آياته الكريمة والله قد أمرنا بذلك حينَ قال سبحانه: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ (29 سورة ص) ولا بأس ان تكون في مساجدنا وحسينياتنا وحتى بيوتنا مجالس درس القرآن، تلاوة وحفظاً وتدبراً فإنه يستنزل الرحمة والبركات. واما العترة الطاهرة: انهم حبل الله المتين وعروته الوثقى فكيف نعتصم بهم، لقد خسر الذين ابتعدوا عن العترة الطاهرة. وتخلوا عن سفينة النجاة، وضلوا عن باب الرحمة، وتنكبوا الصراط المستقيم.
أما الذين تشرفوا بولاء اهل البيت عليهم السلام فطوبى لهم وحسن مآب. ان ولاية آل محمد درجات، فيا أيها المحبون لاهل  العترةالطاهرة . فطائفة منا يكتفون بحبهم فقط  وفريق أرقى منهم درجة حيث يعرفونهم حق المعرفة والأرقى منهم الذين يفقهون كلماتهم ويسيرون على خطاهم انهم شيعتهم حقا. وهم على منابر من نور يوم القيامة مبيضة وجوههم فطوبى لهم ثم طوبى لهم. وان من تجليات الولاء لأهل البيت تحبيب الناس اليهم بحسن الخلق وصدق الحديث واداء الأمانة. فلنكن دعاة صالحين لهم بأعمالنا قبل أقوالنا وبسلوكنا قبل دعوتنا. فإن السلوك الطيب كالعطر النفاح يجتذب الناس من بعيد فإذا اقتربوا سمعوا كلمة طيبة لعل الله يهديهم بها الى جنة الولاء. وروضة الحب ورحاب رحمة أهل بيت الرسول. ..  وان معرفة مذهب أهل البيت عليهم السلام بدراسة أحاديثهم والتأمل في كلامهم والنظر في حلالهم وحرامهم والتفقه في بصائرهم هي حقاً درجةٌ عالية من درجات الولاء فإن كلامهم نور وأمرهم رشد ووصيتهم التقوى. تعالوا نجعل بيوتنا ومجالسنا ومراكز تجمعنا كلها مهابط ملائكة الله سبحانه عبر ذكر الله وذكر النبي وأهل بيته ودراسة تاريخهم الصحيح والتفقه في أحكامهم واستيعاب معارفهم التي تمثل الدين الحق والصراط المستقيم الى الله سبحانه. واني ادعو شباب هذه الامة بالتفقه في الدين واقول لهم ان هذه المرحلة من عمركم هي أغلى وأسمى مرحلة فاستفيدوا منها بالتسامي في درجات الولاء وذلك بالتفقه في احكام الدين ومعارف الاسلام من مصادرها السليمة.. اي من الكتاب والعترة ومن أفواه العلماء الربانيين وإياكم واشراك الشيطان فإنها منصوبة حولكم تنتظر غفلتكم لتصيدكم الى جهنم ايها الأخوة المؤمنون یجب ان  یكون كل فرد منا لبنة في بنيان الوحدة فإن كل واحد منا مسؤول عن ذلك البنيان حيث تبدأ أواصر الوحدة الاجتماعية مني ومنك ومنا جميعا. فإن على كل واحد منا ان يُمّتن هذه الاواصر مع اقرب الناس اليه مع أسرته وعشيرته مع زملائه في الدراسة والعمل مع أصحابه في الرأي والموقف وليكنْ كل منا حلقة وصل بين مختلف المحاور التي ينتمي اليها من المحيطين به فأحسن الناس من يألف ويؤلف. ولنا في تراث ديننا ووصايا كتابنا ونبينا وأئمتنا الهداة ركائز عظيمة للوحدة متمثلة بأسمى الأخلاق والآداب التي تزكّي نفوسنا من الأنانية والعصبية والتحزب للباطل. وتطهرها من سوء الظن بالناس والتجسس عليهم واتهامهم او تحمل وزر غيبتهم وتنظف علاقاتنا من الكبر والحسد والاستعلاء و ان الالتزام بتعاليم الدين في صدق الحديث وأداء الأمانة والاحسان الى الناس والعفو والتسامح والدخول في السِلم واجتناب خطوات الشيطان يجعل مجتمعنا بنيانا مرصوصا يتحدى الأعاصير. وأواصر الوحدة في المجتمع تتقوى ـ بإذن الله ـ عبر نبذ الشعارات المفرقة والتأكيد على ما يوحد الناس واجتناب التنابز بالألقاب التي تمزق المجتمع شيعا وتجعلهم رذاذا لا سمح الله.
وجاء في الحديث شريف: (من تعصب او تعصب له عصب بعصابة من النار).. ونحن فی هذا العصر نحتاج  الى المزيد من التواصل والتفاهم والتركيز على نقاط الاشتراك لان ما يجمع هذه التيارات من مرتكزات الدين وميراث التاريخ ومصالح الدنيا وتطلعات المستقبل لهي اكثر بكثير مما يفرقهم ويمزق صفوفهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *