خطبه الجمعه رقم 88فی آفات اللسان فی موضوع تهوین و تخفیف الذنوب یوم 4 جون 2021
خطبه الجمعه رقم 88فی آفات اللسان فی موضوع تهوین و تخفیف الذنوب یوم 4 جون 2021
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاسْتَشْعِرُوا دَائِمًا وَأَبَدًا مُرَاقَبَةَ اللَّهِ لَكُمْ، وَاحْذَرُوا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَة: 281].ایها المو منون كما تعرفون فان موضوع حديثنا حول أفات اللسان وقد تحدثنا 87 خطبه من خطب الجمعه حول آفات اللسان و الیوم اشیر الی آفۀ اخری من آفات اللسان وهی تهوین و تخفیف الذنوب عند السنتنا ومقدمتا لابد ان نعرف بان الله تعالی الغاية من التكليف الإلهيّ وبعثة الأنبياء والرُّسل مبشرين ومنذرين للنَّاس هي تحقيقُ الكمال الروحيّ والنَّفسيّ للإنسان، وإنشاء المجتمع الإسلاميّ الفاضل و علی هذا الاساس .اَمَرَ عِبَادَهُ بِطَاعَتِهِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، ركَّزت الشريعة الإسلامية على موضوع اجتناب الذُّنوب لكي لا يؤدِّي ذلك إلى انغماس الإنسان في مستنقع الرَّذيلة وبالتالي حرمانه من فرصة التكامل. وَبَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي كِتَابِهِ مَا حَصَلَ لِلْمُجَاهِرِينَ بِالذُّنُوبِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، وَحَذَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ مِنْ عَاقِبَةِ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ وَخَطَرِهَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ. وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَنٍ تَسَاهَلَ فِيهِ الْبَعْضُ بِالذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَأَصْبَحَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ مَنْ يُجَاهِرُ بِالذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ وَكَأَنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَهِينُ بِالذُّنُوبِ وَيُدْمِنُ عَلَى مَعْصِيَةِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ، فَتَرَاهُ يَحْضُرُ وَيَنْشُرُ وَيَدْعُو لِأَمَاكِنِ الْفِسْقِ وَالْمُجُونِ وَيُبَارِزُ اللَّهَ بِالْمَعَاصِي وَالْآثَامِ، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- مِنْ عَاقِبَةِ الْمُجَاهَرَةِ بِالذُّنُوبِ فَقَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرُونَ». والذَّنب لغةً بمعنى الإثم والجرم والمعصية، والجمع ذنوب، وأذنب الرجل أي صار ذا ذَنبٍ والمعصية: ومعناها التمرُّد والخروج عن الأوامر الإلهيَّة، وتعبِّر عن تعدِّي الإنسان لحدود العبوديّة، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ و هنا اشیر الی أقسام الذُّنوب وأنواعها ولقد قسّم القرآن الكريم والروايات الشريفة الذنوب إلى نوعين هما: الكبائر والصغائر.ويدلُّ على صحّة هذا التقسيم الآية الشريفة التالية، في قوله تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ و يستفاد من الآية أن الكبائر يقابلها ما هو أدنى منها رتبةً أي الصَّغائر، فالمنهيّ عنها هي المعاصي صغائرَ وكبائرَ، وأمَّا السيِّئات فهي الصَّغائر لمناسبة المقابلة بينها وبين الكبائر. وكبر المعصية إنّما يتحقّق بأهمية النهي عنها إذا قيس إلى النهي المتعلّق بغيرها، ولا يخلو قوله تعالى: ﴿مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ من دلالة على ذلك.وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾1, و”اللَّمَمَ” عبارة عن الصغائر أو نوع خاص منها.
رُوي عن الإمام الصَّادق عليه السلام: (في تفسير الآية) قال: “الفواحش: الزِّنا والسّرقة، واللمم: الرّجل يلمّ بالذَّنب فيستغفر اللهَ منه”.فاللِّمَم هو ما يلمّ به العبد من ذنوبٍ صغيرةٍ بجهالةٍ ثمَّ يندمُ ويستغفرُ ويتوبُ فيُغفَرُ له. ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾. ومن مجموع هذه الآيات يظهر لنا أنّ الذنوب على نوعين: صغيرة وكبيرة، بالرغم من أنّ كلّ ذنب مخالف للأوامر الإلهية يعتبر كبيراً وثقيلاً، ولكنّ هذا الموضوع لا ينافي كون بعض الذنوب من حيث آثارها الوخيمةُ أكبر من البعض الآخر، وبالتالي يمكن لنا تقسيمها إلى كبيرة وصغيرة. و لکن الحقیقۀ ان الذُّنوب كلُّها شديدة
روي عن الإمام الباقر عليه السلام: “الذّنوب كلّها شديدة، وأشدُّها ما ينبت عليه الّلحم والدَّم لأنَّه إمَّا مرحومٌ وإمَّا معذَّبٌ والجنَّة لا يدخلها إلّا طيّب”
فالذّنوب كلّها شديدةٌ أي بحسب ذواتها، لأنَّها مخالفةٌ للأوامر الإلهية وهذا هو وجه شدّتها، وإن كان بعضها أشدّ من بعض، وأشدّها – حسب الرواية – ما ينبتُ عليه اللحم والدم الذي قد يشمل أكل الحرام والإصرار على المعصية من دون تكفيرها بالتوبة و لأنّ الإنسان المرحوم هو من كفّرت ذنوبه بالتوبة أو البلاء في الدنيا، ويقابله المعذّب وهو الذي لم تكفّر ذنوبه بأحد الوجوه المتقدّمة، والجنة لا يدخلها إلا طيّبٌ: أي طاهرٌ وخالصٌ من الذُّنوب.
وعليه فالذنوب كلّها شديدةٌ، وجميعها كبائر ولا فرق بينها من جهة مخالفة المولى سبحانه وتعالى، وإنّما الكبائر والصَّغائر هي أمورٌ نسبيةٌ لا ذاتيةٌ وإنما نُطلِقُ عليها لفظ الصغائر بالإضافة إلى ما هو أكبر منها ونطلق عليها لفظ الكبائر بالإضافة والنسبة إلى ما هو أصغر منها.
فالجرح بالنسبة إلى القتل صغيرةٌ، وبالنسبة إلى اللطم كبيرةٌ، والزنا بالنسبة إلى النظرة المحرَّمة كبيرةٌ وعليه يُفهم من الرواية المتقدِّمة ضرورة تجنُّب كلّ ذنب يُعلَم كونه ذنباً حسب ما نصَّت عليه الشريعة الإسلامية، بل ينبغي تجنُّب كلّ ما يُحتمل أنّه كذلك وذلك لعظمة مقام الله تعالى وحقّ طاعته، فإنّ الجرأة على ذاته المقدَّسة محتملة حتَّى مع وجود الاحتمال، فمن احتمل أنّ في الكأس خمراً فعليه عقلاً أن يمتنع عن شربه لا لمفسدة الخمر وضرره فحسب، بل لعظمة الله ووجوب طاعته في كلّ الموارد المحتملة.
ایها المومنون و ایتها المومنات لابد ان نعرف بان للشيطان أبوابٌ كثيرةٌ ومداخل مختلفةٌ يأتي منها ابن آدم ويستدرجه إلى المعاصي. الذنب هو مخالفةُ الأوامر الإلهيَّة الواردة في الشَّريعة الإسلاميَّة والتي يعاقب عليها الباري عزّ وجلّ. وإنَّ أكثر بابٍ يتسلَّلُ منه إلى قلوب الناس هو باب احتقار الذُّنوب واستصغارها من قبلهم، وذلك بعد أن ييأس الشيطان من إسقاطهم في كبائر الذنوب يسعى جاهداً لإيقاعهم في الصغائر؛ بل قد يصرُّون عليها، لأنّها بحسب تصنيفهم من صغائر الذنوب. لكنّه لو علم مدى خطورتها عليهم لما وقعوا فيها ولما أصرّوا عليها. و لان الذّنوب في الحقيقة كلّها كبائر ولا فرق بينها من جهة مخالفة المولى سبحانه وتعالى، وإنّما الكبائر والصَّغائر هي أمورٌ نسبيةٌ، وإنما نُطلِقُ عليها لفظ الصغائر بالإضافة إلى ما هو أكبر منها. روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “لا تنظروا إلى صغر الذنب، ولكن انظروا إلى من اجترأتم”4. وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: “اتّقوا المحقّرات من الذنوب فإنّها لا تغفر”، قلت: (أي الراوي): وما المحقّرات؟ قال: “الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي لم يكن لي غير ذلك”(1 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص287).. وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: “اتّقوا المحقّرات من الذنوب فإنّ لها طالباً”(1 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص270)..) وروي عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّته لأبي ذرّ (رضوان الله عليه): “يا أبا ذرّ: إنّ الرجل ليعمل الحسنة فيتّكل عليها، ويعمل المحقّرات حتَّى يأتي الله وهو عليه غضبان، وإنّ الرجل ليعمل السيئة فيفرق منها يأتي آمناً يوم القيامة” (مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، منشورات الشريف الرضي، 1392 – 1972م، ط 6، ص462.3. )فالذي يحقّر ذنبه ويستسهل أمره، ألا يدري أنّ الذنب مهما كان صغيراً أو حقيراً فإنَّه من حيث كونه معصيةً لله العظيم فإنّه يُعدّ أمراً عظيماً، فلا ينبغي للمؤمن أن يحقّر شيئاً من الذنوب فقد لا يُغفر له بسبب تحقيره واستخفافه بها لان الصغيرة قد تقترن بقلّة الحياء وعدم المبالاة بها، وترك الخوف والاستهانة بالله العظيم والإصرار عليها، وهذا بالمناسبة ما يمنع من شمول الشَّفاعة للمذنب، فتتحوّل هذه الصغيرة إلى كبيرةٍ من الكبائر نسال الله تبارک و تعالی ان یوفقنا بتهذیب النفوس و بالتقوی و التقرب الی الله تعالی و الحمد لله رب العالمین