خطبة الجمعة رقم 100 فی آفات اللسان فی موضوع الغلظۀ فی الحدیث مع الناس او الاسره المطابق 12 جمادی الولی 1443 المطابق 17 دسامبر 2021

خطبة الجمعة رقم 100 فی آفات اللسان فی موضوع الغلظۀ فی الحدیث مع الناس او الاسره المطابق 12 جمادی الولی 1443 المطابق 17 دسامبر 2021
عباد الله: اتقوا الله.ایها الإخوة والأخوات: أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين» لقد تحدثنا خلال تسعه و تسعین خطبة من خطب الجمعه حول آفات اللسان والیوم اشیر الی آفة مهمه من أفات اللسان الا و هي الغلظة فی الحدیث مع الناس بدایتا اعرف لکم لغة الغلظة والرحمة والغِلظة في مقابل الرحمة وضدّ الرّقّةِ في الخَلْق والطبْعِ والفِعْل والمَنْطِق والعيْش ونحو ذلك، ، وهي خلق ذميم، لا يجلب إلا الشرّ الكبير على أصحابه المتخلّقين به، ولا يولّد إلا الكراهية والنفور في المجتمع و لاشک بان من مظاهر التطرف: الغلظة في التعامل، والخشونة في الأسلوب، والفظاظة في الدعوة، خلافاً لهداية الله تعالى، وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.
ایها الاخوه و الاخوات فمن الحقائق القرآنية أنك تجد فيه العجب العجاب ،فالقرآن الحكيم هو قبل كل شيء، وفوق كل شيء هو كتاب هداية، وتربية، وصناعة الإنسان وفق منهاج السماء ورب العالمين الذي أنزله على حبيبه ورسوله المصطفى (ص) ليصنع البشر ويُربِّيهم ليقوموا وينهضوا فيصنعوا الحضارة الإنسانية الراقية ويعيشوا السعادة النسبية في هذه الحياة..وإليك هذه المقارنة البسيطة لبعض جوانب القرآن الحكيم، التي نحن نغفل عنها عادة رغم شدة وضوحها لدى العلماء.. فالقرآن الكريم يتضمن (٦٢٣٦) آية، أو (٦٦٦٦)..وآيات العبادات في القرآن، فهي لا تزيد عن (١٣٠) آية فقط.. أي نسبة ٢٪؜ من القرآن.في حين أن آيات الأخلاق فهي أكثر من (1500) آية، أي نسبة ٢٤٪؜ من القرآن.. فهي تشكل ربع القرآن تقريباً.. مع ذلك أخذنا وركَّز عدد كبير منا نحن المسلمين على العبادات، وتركوا الجزء الأكبر من المعاملات، وهي أساس وأصل البعثة النبوية الشريفة كما قال (ص): (إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)، فالبعثة النبوية، والرسالة الخاتمة كانت لتتميم المكارم، والقيم، والفضائل، بهذه المنظومة القيمية الرائعة، التي لا يوجد في الدنيا كلها نظيراً أو شبيهاً بها. علماً أن هذه المنظومة هي كلها قيم أخلاقية حتى العبادات، فهي برنامج تأديب للإنسان أمام الله سبحانه خالقه ورازقه وصاحب النعم كلها عليه، فهي أدب العبد مع الرب، والقياد بكل الواجبات والفرائض، والابتعاد عن كل المحرمات والنواهي فالمتأمل في مهمَّة الدِّين – أي دين – هو تربية الإنسان، وضبط حركته وفق رؤية معينة يطرحها الدِّين نفسه، لأن هدف الدِّين تربية البشر وهدايتهم إلى منجاتهم، وما يُنقذهم من الهلكة، فهدف الدِّين هداية الإنسان، وما يُميِّز الدِّين الإسلامي العظيم عن غيره من الأديان السماوية والأرضية المخترعة هو أنه لديه برنامجاً دقيقاً لتربية الإنسان الفرد، كشخص واحد لأن الجنة والنار مشروع شخصي، فهو المسؤول عن تربية نفسه وفق هذا البرنامج الذي يوصله إلى الجنة ودرجاتها، أو إلى النار ودركاتها، وكذلك لديه برنامجاً لتربية المجتمع، ابتداء بالأسرة وحتى الأمة، كمجتمع إنساني متكامل وموحد، وهذا مشروع عام يشترك فيه الجميع لأن عوائده تعود للجميع وأضراره أيضاً تنعكس عليهم جميعاً إن خيراً أو شراً فالبرنامج الإلهي الذي يُقدِّمه الدِّين الإسلامي لك أيها الإنسان لتكون لائقاً أن تدخل جنَّة القدس وترافق أولئك العظماء من البشر قال تعالى: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) (النساء: 70)، نعم؛ وهذا من أعظم نعم الله تعالى عليك وأنت ترافق سادة البشرية.. ولذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أكثر ما تلج به أمتي الجنة؛ تقوى الله، وحسن الخلق)، فالتقوى حُسن المعاملة مع الرَّب الخالق سبحانه، وحُسن الخُلق حُسن المعاملة مع الخلق، وبهما ندخل الجنة،. والعجيب أن الله سبحانه في القرآن الحكيم يُقدِّم القول الحسن على كل العبادات وذلك في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (البقرة: 83)، وهذا ما أكده رسول الله (ص) في قوله: (عليكم بحُسن الخُلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسُوء الخُلق، فإن سوء الخُلق في النار لا محالة). (سنن النبي (ص): ج2 ص86) جاء في أدبياتنا الدينية التي أخذناها عن أهل بيت العصمة والطهارة (ع) قولهم: (الدِّين المعاملة)، و(أعدل السِّيرة أن تعامل الناس بما تُحبُّ أن يعاملوك به)، و(اصحب الناس بأيّ خلق شئت يصحبوك بمثله)، و(أعدل الناس من رضي للناس ما يرضى لنفسه، وكره لهم ما يكره لنفسه)، وجماع الحكمة ما جاء في وصيّة أمير المؤمنين (ع) لابنه محمّد بن الحنفيّة: يا بنيّ! أحسن إلى جميع الناس كما تحبّ أن يُحسن إليك، وارضَ لهم ما ترضاه لنفسك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وحسّن مع جميع الناس خلقك، حتى إذا غبتَ عنهم حنّوا إليك، وإذا متّ بكوا عليك).ويروى أنه جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بين يديه فقال: يا رسول الله ما الدِّين؟ فقال: (حُسن الخُلق)، ثمّ أتاه من قبل يمينه فقال: يا رسول الله ما الدِّين؟ فقال: (حُسن الخُلق)، ثمّ أتاه من قبل شماله فقال: يا رسول الله ما الدِّين؟ فقال: (حسن الخُلق)، وفي الحقيقة هذه خلاصة رسالة الأنبياء والرسل (ع) جميعاً، فما من نبي ولا رسول إلا كان آية من آيات الله في الأخلاق والقيم والفضائل في قومه، ولذا اتُّهموا جميعاً بالسِّحر، كما اتهمت قريش القرآن الكريم بأنه: (سِحْرٌ يُؤْثَرُ) (المدَّثر: 24) وهذه صفات الأنبياء جميعاً (ع) لا سيما الرسول الخاتم محمد (ص) الذي وصفه رب العزة والجلال وأثنى عليه في أخلاقه ووصفها بالعظمة حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4) وقال سبحانه عن سبب جذبه للناس: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (آل عمران: 159) أيها الإخوة المؤمنون: لا بد لنا من وقفات مع قوله تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، مع هذا المقطع من هذه الآية الإنسانية القرآنية الرائعة، وقفات نحللها ونرى تطبيقها ونفهم واقعنا من خلالها.الخطاب هنا موجه ابتداءً لرسول الله -صلى السلم ويه و -، ثم لأمته تباعاً واقتداءً، وقوله: فظًّا: الفظّ: الغليظ، غليظ الكلام، سيئ الكلام، وغليظ القلب: قاسي القلب عليهم، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن كذلك،لم يكن فظًّا بكلامه وتعامله مع الآخرين، بل كان هينًا لينًا لطيفًا إنسانيًا في تعامله مع الآخرين؛ تقول الآية: ولو كنت -أيها الرسول- وأنت رسول الله وأنت نبي الله وأنت مَنْ أنت، ولو كنت -يا محمد- فظًا غليظ القلب، وحاشاه أن يكون كذلك، لانفضّوا من حولك، لتركك أصحابك ولقلاك الناس ولتفرقوا من حولك، لأن الناس لا تطيق ذلك الإنسان الخشن في تعامله، الفظ الغليظ، القاسي الطباع، الحِشِر الكِشر. نعم هذه هي النتيجة القرآنية المحسومة لأصحاب الطباع الغليظة والأخلاق الذميمة، إنها التفرق من حوله، إنها ابتعاد الناس عنه، إنها عدم محبة الناس لمجالسته، فكيف بالاستماع إليه أو اتباعه أو التوجه إليه بالسؤال وطلب الهداية.أيها المؤمنون: هذه الآية القرآنية العظيمة: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، لا بد أن نقيس أنفسنا بها، وأن نخضع أحوالنا السلوكية وتعاملنا مع الآخرين إلى مقتضياتها.وهنا اقول لو كنت -أيها الأب، أيها الوالد- فظًا بلسانك وتعاملك، وغليظًا بقلبك ونفسيتك وعواطفك، لو كنت كذلك لانفضّ أولادك من حولك، لما أطاق أبناؤك مجالستك، ولَفَرّت البنات من حولك، هذه هي النتيجة القرآنية المحسومة؛ لأنهم وجدوا أباً ووالداً لا يقيم للأبوة ونفسيته أقسى من قلبه، لا يفيض على أولاده الحنان بل السموم والسباب والغليظ من القول والخشن من المعاملة، فأنى لأولاده أن يَتحَلّقوا حوله ويسهروا معه بأجواء من الودّ والحنان، بل إنك تراهم متفرقين أشتاتًا حيث يرون أباهم قد استقر حاله في البيت.ولو كنت -أيها الأب- فظًا غليظ القلب لانفض أولادك، وهم قرة عينك، من حولك، ولكن قدوتك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن كذلك، بل كان أباً رحيمًا ووالداً شفوقًا، إذا دخل البيت دخل معه الرفق والحنان واللطف، ومسك الكلام، ولين الجانب، فأسرع إليه الصغير قبل الكبير، فكان -صلى اللهعليه وسلم – يقبّل الحسن والحسين ويحملهما ويلاطفهما ويعوذهما، وكان يحنو على ابنته فاطمة المتزوجة ويكرم مجيئها إلى بيته ويحسن معاملتها ويقبلها ويزورها.فهذا هو الرسول الأب، الرسول الوالد، الذي لم يكن فظًا ولا غليظ القلب، بل كان لينًا رحيم القلب. ولو كنت -أيها الزوج- فَظًّا فَجًّا لسانك سليط، وقلبك غليظ، ونفسك حانقة على زوجتك لانفضت من حولك، ولما جالستك راغبة محبة بل كارهة مجبرَة، ولو كُنتِ كذلك -أيتها الزوجة- خشنة في تعاملك مع زوجك، ردّادة لكلامه، نكاره لمعروفه، لابتعد عنك ولما جالسك ولكره البيت بسببك.هذه هي النتيجة القرآنية المحسومة للزوج أو للزوجة حينما تنطبع صورته في ذهن الآخر بذلك الفظ الغليظ. ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعامل زوجاته بلطف، وكان داخل بيته يعاشرهن بالمعروف ويعدل معهن ويمازحهن ويؤاكلهن، بل كان يتسابق مع زوجاته خارج البيت، وكان في داخل بيته يكنس البيت ويخيط ثوبه ويحلب لهم الشياة، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما مِن شيءٍ أثقلُ في الميزانِ من حُسنِ الخُلُقِ).. فالدِّين كله خُلق،.وعلينا أن نجتنب من العنف و الغلظۀ فی تعاملاتنا مع آلاخرین وأن نتعلم ونعلّم أولادنا هذا الجزء الأعظم من هذا الدِّين العظيم، من حُسن الخُلُق، وحُب الخيرِ للغيرِ، وحُسن التعامُل، واللين، والرِفق، والبشاشة، والصدق، والإيثار والحق، كما نعلمهم الصلاة والصيام،عباد الله-، إن الله یطلب من كل واحد منا: أن يكون رفيقًا رحيمًا لا فظًا غليظ القلب، سواء مع أهله أو زوجته أو أقاربه أو جيرانه أو أصدقائه أو تلاميذه أو زملائه بالعمل؛ لأنه إذا لم يكن كذلك بل كان فظًا غليظ القلب فإن نتيجة ذلك محسومة هي انفضاض الناس -سواء الأقارب أم الأباعد- من حولك، وكرههم لمجالسك ومجالستك. وهذا خسران كبير لنا في دنيانا وديننا ودعوتنا وعملنا.(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئًا يا رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *