صلاة الجمعة
خطبه الجمعه یوم الخامس و عشرون من شهر شوال عام 1443 المطابق السادس والعشرون من شهر مای 2022
من المتیقن أن أكثر المسائل الاخلاقيّة لها أثرها في الحياة الإجتماعيّة للإنسان و لاشک بان لایتصور بحصول السّعادة و التكامل في واقع المجتمع البشري الا بالاخلاق و الاصول الاخلاقیۀ ، فالمجتمع الذی لميتمسك أفراده على مبادىء الأخلاق في الفرد.والمجتمع فسیعرّض شعوبهم لمصائب أليمةٍ ولایمکن أن يتحقّقا الاخلاق و الاصول الاخلاقیۀ في ظِلِّ العمل بالقوانين و الأحكام الصّحيحة، من دون الإعتماد بالله تبارک و تعالی و الایمان بالاخره والحياة الفرديّة للإنسان من دون الاعتماد بالله و بالاخرۀ لیس لها لا لَطافةَ ولا شفافيّة ، لإنّ العمل بالقوانين، من دون وجود قاعدةٍ متماسكةٍ من القِيم الأخلاقيّة لدى الفرد غير ممكن، و بدیهی بان الإيمان و الأخلاق، يُعتبران من أفضل الأساليب لتنفيذ أيّة قرارات و علی هذا الاساس عند ما نقرء القران و ندبر فی آیاته العطرۀ نلاحظ بان الرؤية القرآنية تقوم لتاريخ البشرية على أن الإنسان مخلوق مكرم من قبل الله الخالق المدبر لهذا الوجود: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً” (الإسراء، الآية 70). ومن تكريم الله له، أنه خلقه بيديه سبحانه وتعالى: “قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ” (ص، الآية 75)؛ وأنه سبحانه عز وجل أسكنه في الجنة: “وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما” (البقرة، الآية 35).فلماذا هذا الانسان یسقط و یحبط و ینزل فی حیاته الدنیویۀ حتی یصبح من اهل النار و الجحیم ؟!
و الجواب واضح بان الانسان خلال حیاته القصیرۀ فی هذه الدنیا لابد ان ینتخب مسیرۀ حیاته بانه اما یکون عبدا لله او عبدا للشیطان ، فكلما استقام البشر على ذكر الله عز وجل بالإيمان به، واتّباع أحكامه وشرائعه، والتخلق بالخلق الحسن، حسنت معيشتهم؛ وكلما أعرضوا ضنكت معيشتهم وضاقت فاذا انتخب عبودیۀ الله فآنذاک لابد ان بومن بالله و لاینشاء منه الا العمل الصالح و ثمرۀ هذه العبودیۀ تظهر فی حیاته کما یقول الله جل و علا فی الآية 97 فی سورة النحل،«مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ انْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةًطَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» واذا اعرض عن عبودیۀ الله و ذکره و انتخب عبودیۀ الشیطان فتصبح حیا ته و معیشته ضَنكًا مطابقا لقول الله تعالی فی الآية 124 من سورة طه «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا») طه:124]،
عباد الله، الحياة الطيبة أمنية يتمناها كل إنسان على وجه هذه الأرض، حلم يحلم به مليارات البشر، ومطلب يسعى إلى تحقيقه بنو آدم أجمعون ما هي الحياة الطيبة؟ لعل كل واحد سيفسرها بحسب ما يرجو وسيتصورها بحسب ما يتمنى، كل واحد يظن أن الحياة الطيبة هي تحصيل ما فاته وتكميل ما نقص عنه، فالفقير يتصور أن الحياة الطيبة هي بأن يكون ذا مال كثير ويذهب عنه فقره، والمريض يتصور أن الحياة الطيبة هي بأن يذهب عنه مرضه ويتبدل بالسقم عافية وشفاء، والجاهل يتصور أن الحياة الطيبة هي أن يصير عالما من العلماء، والعقيم يتصور أن الحياة الطيبة هي بأن يكون ذا ولد وذرية، والمبتلى يتصور أن الحياة الطيبة هي ذهاب البلاء الذي أصابه وأن تحل مكانه العافية.ولكن، لو جئنا إلى الواقع -أيها الأحباب- هل كل الأغنياء يعيشون حياة طيبة؟ وهل كل الأصحاء يحيون حياة طيبة؟ وهل كل العلماء يحيون حياة طيبة؟ وهل كل أصحاب الأولاد يحيون حياة طيبة؟ وهل كل أصحاب العافية يحيون هذه الحياة الطيبة؟ الجواب، بكل تأكيد: ليس كل هؤلاء يحيون الحياة الطيبة، بل كثير منهم يعيشون حياة منغصة مكدرة لا يشعرون فيها بهناء ولا بسرور ولا بفرحة فإذا؛ ما هي هذه الحياة الطيبة التي وعدها الله -سبحانه وتعالى- عباده الصالحين؟ الحياة الطيبة كلمة عظيمة في مدلولها ومعناها، تختصر جميع معاني الراحة والطمأنينة، وتختزن كل مدلولات الأمن والاستقرار والسكينة الحياة الطيبة هي حياة القلب، ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان بالله، ومعرفته ومحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه؛ فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه، إلا نعيم الجنة التي أعدها -سبحانه وتعالى- نعيما لأهل الجنة، ووعد بها في الدنيا من أطاعه وعمل صالحا، وهذه هي الحياة الطيبة، و الحياة الحقيقية، ليست حياة المطعم والمشرب والملبس فإن هذه لا تسمى حياة وإنما تسمى معيشة، فالمعيشة -كما يقول أهل اللغة-: هو كل ما كان سببا للحياة من الطعام والشراب ونحوه. ولكنه ليس من الحياة في شيء، فالحیاۀ الطیبۀ الحیاۀ التی نجد النور فی حیاتنا کما یقول الله تعالی شانه اَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ و هی الحیاۀ التی تحیی بالایمان کما یقول الله تعالی أومن کان ميتا فأحييناه: أحيا الله قلبه بالإيمان اذا الحیاۀ الطیبه معناها الحیاۀ مع الله والحیاۀ التی تقترن بذکر الله ولاشک بإن المعرض عن ذكر الله ليس بحي، فهو في عداد الأموات؛ فالإنسان الذي لم يذكر الله تعالى لم ينل السّعادة في الدّنيا والآخرة، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى والقول في تفسير هذه آلایۀ أنّ الإنسان الذي لم يذكر الله تعالى لم ينل السّعادة في الدّنيا والآخرة، ومعنى ضنكًا في اللّغة هو: المنزل أو المكان الضّيّق، والعيش الضنك يشمل الذّكر والأنثى، واختلف المفسرون في الموضع الذي يعيش في الإنسان المُعرض عن ذكر الله هل سيكون ذلك في الدّنيا أم في الآخرة، فمنهم من يرى أنّ المقصود هو العيش الضّيق في الآخرة؛ كإلقاء العذاب على المُعرض بإلقائه في الشّوك والنّار أو طعام الزّقوم ، حيث قالوا هؤلاء بأنّ الآخرة هُنا هي الموضع المقصود؛ لأنّ العيش الحقيقي والحياة الأبديّة يكونان في الآخرة وليس في الحياة الدّنيا أو حياة القبر، وقال آخرون أنّ الموضع المقصود بالعيش الضّنك هو الدّنيا، والسّبب في ذلك أنّ الحرام كلّما اتّسع في الحياة الدّنيا عاش الإنسان في ضنك أكبر ومشقّة أعظم ليعود إلى الله ويُقبل عليه، ويدور معنى العيش الضّنك في موضع الحياة الدّنيا حول المعاصي؛ كالكسب الخبيث والنّظر إلى المحرّمات والسّرقة والغيبة والنّميمة وغيرها من المعاصي، حيث إنّ الإنسان الذي يسعى للرّزق بطريق مُحرّم لم يُبارك الله
في هذا الرّزق، فيجعله يشعر بضيق شديد كلّما أنفق من هذا المال ومهما كان واسعًا ، ولا سيّما إن أنفقه بحجّة الصّدقة والقربة، فيكون حينها كاذبًا وخادعًا لنفسه ولأهله، وهذه كلّها تستدعي الضّيق الشّديد والشّقاء المُبرح ورأى علماء آخرون أنّ المقصود بالعيش الضّنك هو: الحياة في القبر وما يتضمّنه من حساب وعذاب، ، ويُمكن التّوفيق بين هذه الآراء بجمع هذه الآية مع قوله تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ}، ممّا يعني أنّ العيش الضّنك يمرّ بثلاثة مراحل والتي تكمن في الآراء التي سبق بيانها، حيث إنّ الإنسان الذي يعصي الله ويبتعد عن ذكره له عيشًا ضنكًا، ومن ثمّ يعيش حياة قبره في ضنك شديد؛ لأنّ العذاب في القبر سببه الأفعال التي يقترفها العبد في الحياة الدّنيا، ومن ثمّ عذاب الآخرة الذي هو نتيجة أفعال العبد في الحياة الدّنيا، ممّا يعني أنّ عذاب الآخرة في سياق هذه الآية يتبعه عذاب في الدّنيا وأقلّه العيش بالضّيق والشّعور بالتّعاسة، وفي كلّ الأحوال الإعراض عن ذكر الله سبب من أسباب الشّقاء والضّنك سواء كان ذلك في الحياة الدّنيا أم في القبر أم في الآخرة، والمقصود بالعمى في قوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}، هو عدم الإتيان بالحجّة عند لقاء الله تعالى، فجاءت هنا كناية عن القلوب المقفلة التي لا تمتلك الحجّة، ممّا يعني أنّ المقصود هو عمى القلب وليس عمى البصر
اخوانی و اخواتی : أخبرت هذه الآية قانونًا مهمًّا لتاريخ البشريّة وحاضرها وهي أنّ الالتزام بذكر الله تعالى يقي الإنسان من ضيق الصّدر وشقاء العيش، ويكون ذلك بأداء العبادات واتّباع القرآن ونحوه و التّحذير الوارد في الآية؛ كالعيش الضّنك سواء في الدّنيا والآخرة يجعل الإنسان ينبعث إلى طريق الهدى واجتناب الكبائر خوفًا من تعرضه لتعاسة العيش وإنّ عاقبة سوء الظّن بالله واستخدام الرّزق بالطريق المحرّم يجعل الإنسان يستثمر رزقه بالطّريق الذي أحلّه الله؛ كالتّصدّق على الفقراء والمحتاجين والأمن والطّمأنينة الذي سيشعر به الإنسان عند ذكره لله، فكم من النّاس خضعت للانتحار بسبب العيش الضّنك نتيجة بعدهم عن الله وسوء ظنّهم به و العمل الصّالح والإيمان بالله وتوحيد ربوبيّته يُبعد الإنسان عن القلق والحيرة والاضطراب الذي يقوده إلى الأمراض النّفسية والعقليّة، ممّا يعني أنّ الإعراض عن ذكر الله يؤثّر على الحياة الصّحيّة والبعد عن ذكر الله يؤدّي إلى فساد المجتمع؛ كتعاطي المخدّرات والسّرقة والزّنا وشهادة الزّور وغيرها من الأفعال المحرّمة وعلى حدّ تعبير بعض المفسّرين : إنّ الأفراد غير المؤمنين ، (بالرغم من توفر الإمكانات الماديّة الكثيرة عندهم)يغلب عليهم الحِرص الشّديد في امور الدنيا ، وعندهم عطشٌ مادي لا ينفذ ، وخوف من زوال النّعمة ، ولأجل ذلك يغلب عليهم البخل ، والصّفات الذّميمة الاخرى التي تضعهم في نارٍ محرقةٍ من الآلام الروحيّة والضّغوط النفسية ، ولا نتعجب بأن من نسي ربه وانقطع عن ذكره لم يبق له إلا أن يتعلق بالدنيا ويجعلها مطلوبه الوحيد الذي يسعى له ويهتم بإصلاح معيشته والتوسع فيها والتمتع منها، والمعيشة التي أوتيها لا تسعه سواء كانت قليلة أو كثيرة لأنه كلما حصل منها واقتناها لم يرض نفسه بها وانتزعت إلى تحصيل ما هو أزيد وأوسع من غير أن يقف منها على حد فهو دائما في ضيق الصدر والهم والغم والحزن والقلق والاضطراب والخوف بنزول النوازل وعروض العوارض من موت ومرض وعاهة وحسد حاسد وكيد كائد وخيبة سعي وفراق حبيب و بناءا علی ذلک من انقطع العلاقۀ مع الله و من لایصلی و لا یستطیع ان یذکر الله بمناجاته حتی یعیش قلبه و من ادخل نفسه فی معرکۀ المعاصی و الذنوب فهو یعیش فی معیشۀ ضنکا ،فالحیاۀ فی البیت الذی لایسمع من اهله صوت القرآن و المناجاۀ و الصلاۀ ،و البیت الذی لایسمع منه نداء الا الدنیا و لذاتها و المعیشۀ التی لاتنطبق مع اما امر الله به فکلها من مصادیق معیشۀ ضنکاء وإذا نتأمل بسيطاً في واقع البشرية اليوم، نكشف لنا عن مدى الضنك الذي يعيشه أهل المادية والغنى. فبرغم الوضع الاقتصادي المرتفع في بلدانهم و دولهم ، بسبب الأيديولوجيا العلمانية، وبرغم توفر وسائل الحياة والترفيه، إلا أن أهلها يعانون ضنكاً في حياتهم ومعيشتهم أكثر من المسلمين، ولذلك ترتفع بينهم حالات الانتحار، وترتفع بينهم الأمراض النفسية، وترتفع بينهم حالات الاغتراب والوحدة، ويفتقدون لروح الأسرة وعلاقات الصداقة الصادقة، فیضطر کبارهم اما بالالتجاء الی مصاحبۀ الکلاب او یسکنون فی دور العجزة والمسنين وفي نفس الوقت، تجد أن إعراضهم عن ذكر الله عز وجل والتقيد بأحكامه وشريعته، تقلب متعتهم إلى جحيم، وفرحتهم إلى قلق، وسعادتهم إلى كآبة. کما نری بان حياة كثير من الشباب والشابات المنفلتة تنتهي بإدمان التدخين والخمر والمخدرات و في مقابل هذا، نجد بین من یومنون بالله و رسوله و یخافون من عذاب الله ،-برغم ما يعانونه من فقر وحرمان وظلم واستبداد من الداخل والخارج- أكثر تراحما وتعاطفا وتماسكا أسريا، وتنخفض بينهم حالات الانتحار والقتل والقلق والأمراض النفسية، وكل هذا بسبب الایمان بالله و بانبیائه و اولیائه و بیوم القیامۀ والتمسك بأحكامها هذه هی نتیجۀ حیاۀ من یومن بالله او یعرض عن الله وكلما تمسك البشریۀ بدينهم، تحسنت أحوالهم. وَلِحُسن الخِتام ، نَختم هذا البحث ، بحديثٍ عن عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنّه قال : «اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً خالِصاً ، تَحْيُوا بِهِ أَفْضَلَ الحَياةِ وَتَسْلُكُوا بِهِ طُرُقَ النَّجاةِ»( وَرد في «ميزان الحكمة» ، تصنيف دُرر الحِكم ، ص ١٨٩ ، الرقم ٣٦٥٨.).فعلینا بالالتزام بما امرنا الله به والابتعاد مما نهانا الله عنه فعلینا بالتقوی وبتهذیب النفوس و الاجتناب من المعاصی نسال الله تبارک و تعالی ان یوفقنا بالنیل لما یرضی الله تبارک و تعالی .
فی هذه الخطبه بعد ما اوصیکم ونفسی بتقوی الله و بالابتعاد عن الدنیا الدنیه و الزهد فی هذه الدنیا و القرب الی الله و الاستعداد للرحیل الی عالم الاخره و الموت فبما ان هذا الیوم یصادف ذکری مناسبه استشهاد الامام الصادق علیه الاف التحیه ومن المعروف أن الشيعة من أتباع أئمة أهل البيت(ع) ينتسبون الى هذا الإمام العظيم، فيقال لكل من يتولى أئمة أهل البيت(ع) ويتبع منهجهم بأنه جعفري، نسبة الى الإمام جعفرالصادق(ع)باعتبار أن الإمام جعفر (ع) تسنى له أن يوضح المعالم التفصيلية لمنهج أهل البيت(ع) الذي هو منهج الإسلام الأصيل، وأُتيحت له فرصة لنشر علومه ومعارفه لم تتح لغيره من الأئمة(ع)،. ولکن فی الحقیقۀ إن فضل الإمام الصادق عليه السلام على العالم ككل و انه نشر العلم للعالم من المسلم و غیر المسلم و من الشیعۀ و السنۀ کما انه ائمتان من اربعه ائمه اهل السنۀ هم یفتخرون بانهم تلمذوا عنده ، يقول مالك بن انس إمام المذهب المالكي: فی شانه ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر افضل من جعفر بن محمد الصادق علما وعبادة وورعا.. وإذا قرأنا تصريح إمام المذهب الحنفي ابي حنيفة ، فإننا نجد أنه يقول:ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، لولاء سنتان لهلک النعمان. ونحن عندما نبین مثل هذه التصريحات والتي تعددت على لسان الكثيرين، فليس لأجل أن نستزيد في تعظيمه، فإن إمامته هي سر عظمته ولكن هذه التصريحات والشهادات تمیز و تكشف عن مدى التأثير العميق الذي استطاع الإمام الصادق (ع) أن يؤثره في عقول هؤلاء وقلوبهم متى تحولوا إلى مثل هذه المواقف، كما اننا نعرف من خلال هذه الشهادات، كيف استطاع الإمام بالرغم من اختلاف الناس حول الإمامة وحول إمامته بالذات،كيف استطاع أن يفرض فضله وعظمته وعلمه وكل القيم المتمثلة فيه على العلماء والمفكرين وعلى كل رجالات عصره ومرحلته.. وتمیز المرحلة التي عاشها صادق أهل البيت عليهم السّلام لان الفترة التي قضاها الامام الصادق کانت فترة بين دولتين ضعفت فيها السلطة الجائرة مما تسنى وتسمح للإمام الصادق(عليه السلام) أن ينشر مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، الذي هو عين الإسلام الاصيل كان لابد من موقف واضح وحاسم وحازم يتخذهالامام الصادق عليه السّلام على الصعيد الفكري والعملي و..أنّ هذه المرحلة تقتضي منه كما اقتضت من أبيه الباقر عليه السّلام شقّ طريق العلم وتبيان خفاياه ورسم معالمه. ولابد ان اشیر الی حقیقه مهمه بان فی واقع الحال أن الحديث عن الإمام الصادق هو الحديث عن النبي(صلوات الله وسلامه عليه) وهو الحديث عن أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو الحديث عن الأئمة(عليهم السلام) واحداً بعد واحد، لأنهم نور واحد وعلمهم واحد وتعاليمهم واحدة، والأمر الذي يتنبه له الباحث المتروّي أن ما جاء به الإمام الصادق(عليه السلام) روي بعينه عن النبي(صلوات الله وسلامه عليه)، إلا أن الفترات المظلمة هي التي ضيعت الحقيقة، فكانت وظيفة الأئمة بعد النبي(صلوات الله وسلامه عليه) اولا تسلیمهم لما کتب الله لهم و امرهم الله علیهم مثل الصمت و السکوت الذی رایناه من مولی الموحدین الامام امیر المومنین خلال خمس و عشرون سنه اوقیادته لثلاث حروب ضد الناکثین و المارقین و القاسطین او الصلح الذی حدث فی حیاه الامام الحسن او ثوره ابا عبد الله الحسین اوالالتزام امام السجاد بالدعاء و البکاء و المناجاه و العباده اونشر معارف الدین ببرکه دروس امام الباقر او الصادق او تسلیم و رضا امام الکاظم بان یعیش عده سنین فی السجن حتی استمر هذه التکالیف الی امام الحجه عجل الله تعالی فرجه و ثانیا تجلية حقيقة الدین علی حد ظروفهم وإيضاحها وبيانها ليس إلا، وليس لهم أن يزيدوا، وليس لهم أن ينقصوا، ولا تتبدل المفاهيم مهما تبدّلت الحوادث والظروف وتنوعت المشاكل والمحن، وليست وظيفة الأئمة(عليهم السلام) إلاّ استثمار الفرص من أجل إيضاح تلك الحقيقة الناصعة التي طرأ عليها الغموض نتيجة فعل الظالمين وأعداء الدين، وأن المفاهيم والتعاليم التي وردت عن الإمام الصادق أو عن الإمام الباقر أو عن الإمام الكاظم(عليه السلام) قد وردت عن النبي(صلوات الله وسلامه عليه) و هو اخذه من الله بدلیل لا ینطق عن الهوی ان هو الا وحی یوحی وهي التي جاء بها النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم).الأئمة(عليهم السلام) ينقلون الحقيقة عن جلاء ووضوح بلا تحريف ولا تغيير ولا تبديل، هذا الشيء الذي يتميز به الأئمة(عليهم السلام) عن بقية أئمة وعلماء المذاهب الأُخرى ؛ لأنهم يبلغون عن قطع ويقين ، فنحن إذ نتكلم عن الإمام الصادق(عليه السلام) يعني نتكلم عن بقية المعصومين صلوات الله عليهم، غايته فترة الإظهار التي تميز بها كانت أكثر من بقية المعصومين(عليهم السلام)، لأنه في هذه الفترة مدّ الله عمره الشريف ليناسب عمره الفترة الواقعة بين الدولتين، فقام بنشر علوم أهل البيت(عليهم السلام) هذا النشر الذي سمي المذهب باسمه، فالمذهب يسمى باسم الإمام الصادق(عليه السلام) لكن الحقيقة أن المذهب مذهب النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو كلمة الله التي ضرب المثل في الحقيقة لها: (ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء). ایها المومنون و ایتها المومنات قد حدد الإمام الصادق مواصفات شيعته وأتباعه ووضع معايير للتشيع وللولاء الحقيقي لأهل البيت(ع)، التشيع ليس مجرد اعتقاد بمقام أهل البيت(ع) أو مجرد حب ومودة وعاطفة وفرح وبكاء، فلا يظنّ من يبكي على الإمام(ع) في يوم وفاته، أو يفرح بمناسبة مولده أنه قد فعل ما عليه وانتهى الأمر، لّا، التشيّع الحقيقي وفقًا لأئمة أهل البيت(ع) يتمثل في التقوى والطاعة لله سبحانه وتعالى.وقد ورد عن جابر بن يزيد الجعفي أنه قال، قالي لي أبو جعفر الباقر(ع) : يَا جَابِرُ، أَيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَوَاللَّهِ، مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ، وَالتَّخَشُّعِ، وَالْأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّوْمِ، وَالصَّلاةِ، وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَالْغَارِمِينَ، وَالأَيْتَامِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلا مِنْ خَيْرٍ، وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ والمظاهر .ولعلّ أبلغ ما يدل على هذه الحقيقة هو قول الإمام الصادق(ع): «إنّما إنا إمام من أطاعني» فالمقياس بحسب الإمام هو الاتّباع الحقّيقي له ولسيرته وتوجيهاته وتعاليمه وعن الإمام الصادق(ع): «ليس من شيعتنا مَن قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا» وجاء في رواية عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «إنّما شيعة عليّ من عفّ بطنه وفرجه واشتدّ جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه فإذا رأيت أولئك، فأولئك شيعة جعفر»، ويقول (ع) لأحد أصحابه (عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد, وصدق الحديث, وأداء الأمانة, وحسن الخلق, وحسن الجوار, وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم, وكونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا.اليوم نحن بحاجة إلى هذا السلوك والى تقديم هذه الصورة الناصعة والمشرقة عن ديننا وقيمنا وأخلاقنا، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.