فضائل الصديقة الطاهرة
مما لا شك فيه أنّ فضائل الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، أم الأبرار ، لا تعدّ ولا تحصى ، وهي الكوثر الذي لا ينضب ، غير أننا سنذكر شيئاً منها تيمّناً وتبرّكاً.
١ ـ عن النبي صلىاللهعليهوآله : إنّ آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد يمشين أمام فاطمة كالحجاب لها إلى الجنة (١).
٢ ـ عنه صلىاللهعليهوآله قال : … يا علي خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم .. وأفضلهن فاطمة (٢).
٣ ـ عن عائشة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : يا فاطمة أبشري فانّ الله ـ تعالى ـ اصطفاك على نساء العالمين ، وعلى نساء الاسلام ، وهو خير دين (٣).
٤ ـ روى مجاهد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّ فاطمة شجنة مني ، يسخطني ما أسخطها ، ويرضيني ما أرضاها (٤).
٥ ـ وروى مجاهد أيضاً قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو أخذ بيد فاطمة عليهاالسلام : من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد ، وهي بضعة مني ، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله (5).
٦ ـ في كتاب نوادر الراوندي قال : قال علي عليهالسلام : استأذن أعمى على فاطمة عليهاالسلام فحجبت.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لم حجبتيه وهو لا يراك؟
فقالت : إن لم يكن يراني فأنا أراه ، وهو يشمّ الريح.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أشهد أنك بضعة مني (6).
٧ ـ في سنن الترمذي عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : حسبك من نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآله (7).
٨ ـ في ينابيع المودة عن جابر عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : ابنتي فاطمة حوراء إنسية لم تحض ولم تطمث ، إنّما سماها الله فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم ولدها ومحبيها عن النار (8).
٩ ـ عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلىاللهعليهوآله : قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا أهل الجمع ؛ نكّسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع (9).
١٠ ـ عن أنس وأبي عروة الأسلمي والخدري أنّه لما نزلت آية التطهير جاء النبي صلىاللهعليهوآله أربعين صباحاً إلى باب فاطمة وهو يتلو هذه الآية ويقول : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.
وفي رواية : تسعة أشهر يسلم عليهم ويقرأ آية التطهير ويدعو لهم ويقول : الصلاة (10).
١١ ـ عن ابن عباس قال : قال النبي صلىاللهعليهوآله : رأيت ليلة المعراج هذه الكلمات مكتوبة على سرادق العرش : لا الله إلّا الله ، محمد رسول الله ، علي حبيب الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة أمة الله ، على باغضهم لعنة الله (11).
١٢ ـ في حديث طويل قال صلىاللهعليهوآله : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ بنى جنة لعلي وفاطمة عليهمالسلام (12).
١٣ ـ قال النبي صلىاللهعليهوآله : إنّ الله فطم ابنتي وولديها ومن أحبهم من النار (13).
١٤ ـ روى النسفي عن علي عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله للحسن والحسين عليهماالسلام : أنتما كفتا الميزان ، وفاطمة لسانه ، ولا تعدل الكفتان إلّا باللسان ، ولا يقوم اللسان إلّا على الكفتين ، أنتما الأمان ولأمكما الشفاعة (14).
ولادتها ووفاتها عليهاالسلام :
ولدت عليهاالسلام في مكة المكرمة في (٢٠ جمادي الثاني) في السنة الخامسة للبعثة النبوية المباركة (15).
فعاشت مع أبيها «٨» سنين في مكة و «١٠» في مدينة المنورة.
وتوفيت شهيدة بعد وفاة أبيها بـ «٧٥» يوماً في الثالث من جمادي الثانية سنة (١١ للهجرة).
لماذا غصبت فدك؟!
فدك في القرآن :
قال الله تعالى : (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ …) (16).
الافاءة ؛ الإرجاع ، من الفيء بمعنى الرجوع.
والمعنى : والذي أرجعه الله إلى رسوله من أموال بني النضير ـ خصه به وملّكه وحده إياه ـ فلم تسيروا عليه فرساً ولا إبلاً بالركوب حتى يكون لكم فيه حق ، بل مشيتم إلى حصونهم مشاة لقربها من المدينة ، ولكن الله يسلّط رسله على من يشاء ، والله على كلّ شيء قدير ، وقد سلّط النبي صلىاللهعليهوآله على بني النضير فله فيئهم يفعل فيه ما يشاء.
وقوله : (مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ …)
ظاهره أنّه بيان لموارد صرف الفىء المذكور في الآية السابقة مع تعميم الفيء لفيء أهل القرى أعم من بني النضير وغيرهم.
وقوله : (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) أي منه ما يختص بالله ، والمراد صرفه وانفاقه في سبيل الله ما يراه الرسول ، ومنه ما يأخذه الرسول لنفسه.
وقوله : (وَلِذِي الْقُرْبَىٰ) المراد بذي القربى قرابة النبي صلىاللهعليهوآله ، ولا معنى لحمله على قرابة عامة المؤمنين ، وهو ظاهر.
والمراد باليتامى الفقراء منهم كما يشعر به السياق ، وإنّما أفرد وقدّم على «المساكين» مع شموله له للاعتناء بأمر اليتامى.
وقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام أنّ المراد بذي القربى أهل البيت ، واليتامى والمساكين وابن السبيل منهم.
وفي المجمع : روى المنهال بن عمر عن علي بن الحسين عليهالسلام قلت : وقوله : (وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) قال : هم قربانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا (17).
وروى ابن بابويه عن أبي سعيد الحذري قال : لما نزلت (فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا فاطمة لك فدك.
وعن علي بن الحسين عليهالسلام قال : اقطع رسول الله صلىاللهعليهوآله فاطمة عليهاالسلام فدك.
وعن ابان بن تغلب عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أعطى فاطمة عليهاالسلام فدك؟
قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله وقفها ، فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ (فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) فأعطاها رسول الله صلىاللهعليهوآله حقها.
قلت : رسول الله صلىاللهعليهوآله أعطاها؟
قال : بل الله ـ تبارك وتعالى ـ أعطاها.
وقد تظاهرت الرواية من طرق أصحابنا بذلك ، وثبت أنّ ذا القربى : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام (18).
فدك في نهج البلاغة :
قال مولى الموحدين أمير المؤمنين في كتابه لعثمان بن حنيف (19) :
«.. بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلته السماء ، فشحت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله ، وما أصنع بفدك وغير فدك ، والنفس مظانها في غد جدث ، تنقطع في ظلمته آثارها ، وتغيب أخبارها ، وحفرة لو زيد في فسحتها ، وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر وسدّ فرجها التراب المتراكم ، وإنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المزلق».
قال ابن أبي الحديد : وهذا الكلام كلام شاكٍ متظلّم (20).
قوله تعالى : (فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) (21) :
عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لما فتح على نبيه صلىاللهعليهوآله فدك وما والاها ، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فأنزل الله على نبيه صلىاللهعليهوآله
(وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) ولم يدر رسول الله صلىاللهعليهوآله من هم ، فراجع في ذلك جبرائيل عليهالسلام ، وراجع جبرائيل ربّه ، فأوحى الله : أن إدفع فدك إلى فاطمة عليهاالسلام.
فدعاها رسول الله فقال لها : يا فاطمة إنّ الله أمرني أن أدفع اليك فدك.
فقالت : قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك … (22).
وروى الثعلبي في «كشف البيان» وجلال الدين السيوطي في الجزء الرابع من تفسيره عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المفسر المتوفى سنة (٣٥٢ هـ) ، وعن أبي سعيد الحذري ، وكذلك روى الحاكم الحسكاني ، وابن كثير عماد الله بن إسماعيل بن عمر الدمشقي فقيه الشافعية في تاريخه ، والشيخ سليمان القندوزي البلخي الحنفي في الباب «٣٩» من ينابيع المودة عن تفسير الثعلبي ، وجمع الفوائد ، وعيون الأخبار : أنّه لما نزل قوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) أعطى رسول الله صلىاللهعليهوآله فاطمة فدك.
فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكانت تأخذ من غلتها مقدار القوت وتنفق الباقي في سبيل الله بين فقراء بني هاشم وغيرهم.
وفي عيون الأخبار في حديث : .. قول الله (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها ، واصطفاهم على الأمة ، فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ادعو لي فاطمة.
فدعيت له فقال صلىاللهعليهوآله : يا فاطمة.
قالت : لبيك يا رسول الله.
فقال : هذه فدك هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وهي لي خصة دون المسلمين ، فقد جعلتها لك لما أمرني الله به ، فخذيها لك ولولدك (23).
حدود فدك :
في المناقب عن كتاب أخبار الخلفاء : إنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر : حدّ فدكاً حتى أردّها اليك ، فيأبى ، حتى ألحّ عليه.
فقال عليهالسلام : لا آخذها إلّا بحدودها.
قال : وما حدودها؟
قال : إنّ حددتها لم تردّها.
قال : بحق جدّك إلّا فعلت.
قال : أما حدّ الأول فعدن.
فتغير وجه الرشيد وقال : إيهاً.
قال : والحد الثاني سمرقند.
فأربد وجهه.
قال : والحدّ الثالث إفريقية.
فاسودّ وجهه وقال : هنيه.
قال : والرابع سيف البحر ما يلي الخزر وأرمينية.
قال الرشيد : فلم يبق لنا شيء ، فتحوّل إلى مجلسي.
قال موسى : قد أعلمتك أنّني إن حددتها لم تردّها.
فعند ذلك عزم على قتله.
وفي رواية ابن أسباط أنّه قال :
أما الحدّ الأول فعريش مصر.
والثاني : دومة الجندل.
والثالث : أحد.
والرابع : سيف البحر.
فقال : هذا كله؟! هذه الدنيا.
فقال عليهالسلام : هذا كان في أيدى اليهود بعد موت أبي هالة فأفاءه الله على رسوله بلا خيل ولا ركاب فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة عليهاالسلام (24).
قال المجلسي : هذان التحديدان خلاف المشهور بين اللغويين … ولعل مراده عليهالسلام أن تلك كلّها في حكم فدك ، وكأن الدعوى على جميعها وإنّما ذكروا فدك على المثال أو تغليباً.
عمر يمزق وثيقة فدك :
في الاختصاص (25) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث طويل : لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله وجلس أبو بكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة ـ صلوات الله عليها ـ فأخرجه من فدك ، فأتته فاطمة عليهاالسلام ، وبعد احتجاجات طويلة قال أبو بكر : صدقت.
قال : فدعا بكتاب فكتبه لها بردّ فدك ، فخرجت والكتاب معها ، فلقيها عمر فقال : يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك؟
فقالت : كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك.
فقال : هلميه إليّ ، فأبت أن تدفعه اليه ، فرفسها برجله ـ وكانت عليهاالسلام حاملة بابن اسمه المحسن ـ فأسقطت المحسن من بطنها ، ثم لطمها ، فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت ، ثم أخذ الكتاب فخرته.
فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة مما ضربها عمر ، ثم قبضت.
فلما حضرتها الوفاة دعت علياً ـ صلوات الله عليه ـ فقالت : إما تضمن وإلا أوصيت إلى الزبير.
فقال علي عليهالسلام : أنا أضمن وصيتك يا بنت محمد.
قالت : سألتك بحق رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا أنا متّ أن لا يشهداني (تعني عليهاالسلام أبا بكر وعمر) ولا يصليا عليّ.
قال : فلك ذلك (26).
فلما قبضت ـ صلوات الله عليها ـ دفنها ليلاً في بيتها ، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها ، وأبو بكر وعمر كذلك.
فخرج اليهما علي عليهالسلام فقالا له : ما فعلت بابنة محمد؟! أخذت في جهازها يا أبا الحسن؟
فقال علي عليهالسلام : قد والله دفنتها.
قالا : فما حملك على أن دفنتها ولم تعلمنا بموتها؟
قال : هي أمرتني.
فقال عمر : والله لقد هممت بنبشها والصلاة عليها.
فقال علي ـ صلوات الله عليه ـ : أما والله مادام قلبي بين جوانحي وذوالفقار في يدي فانك لا تصل إلى نبشها ، فأنت أعلم.
فقال أبو بكر : اذهب فانه أحقّ بها منا وانصرف (27).
موقف القرآن والنبي والأئمة ممن آذى فاطمة عليهاالسلام :
قال الله تبارك وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) (28).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله».
وقالت فاطمة عليهاالسلام : فوالله لقد آذيتماني (29).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله مخاطباً فاطمة عليهاالسلام : إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (30).
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني.
وقال صلىاللهعليهوآله : من تأثم أن يلعن من لعنه الله فعليه لعنة الله (31).
وقال الصادق عليهالسلام : من شكّ في كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر (32).
وروى الصدوق باسناد معتبر ـ بشهادة المجلسي ـ عن ابن عباس قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان جالساً ؛ إذ أقبل الحسن عليهالسلام ، فلما رأه بكى ثم قال : إليّ إليّ يا بني .. ثم أقبل الحسين .. ثم أقبلت فاطمة .. ثم أقبل أمير المؤمنين .. فسأله أصحابه .. فأجابهم فكان مما قاله لهم :
.. وأما ابنتي فاطمة ، فانها سيدة نساء العالمين …
إلى أن قال : وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بعدي ، كأني بها وقد دخل الذل بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغصب حقها ، ومنعت إرثها ، وكسر جنبها ، وأسقطت جنينها ، وهي تنادي ، يا محمداه ، فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ….
إلى أن قال : ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة ….
إلى أن قال : فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة.
يقول رسول الله صلىاللهعليهوآله عند ذلك : اللهم العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ، وذلل من أذلّها ، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين (33).
قال الرضا عليهالسلام : كمال الدين ولايتنا والبراءة من عدونا (34).
فاطمة خيرة الله فلماذا ظلموها؟ :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : رأيت مكتوباً على باب الجنة فاطمة خيرة الله (35).
وصية الصديقة عليهاالسلام :
روي أنّ أبا جعفر عليهالسلام أخرج سفطاً أو حقّاً ، وأخرج منه كتاباً فقرأه ، وفيه وصية فاطمة عليهاالسلام :
«بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآله ، أوصت بحوائطها السبعة إلى علي بن أبي طالب ، فان مضى فإلى الحسن ، فان مضى فإلى الحسين ، فان مضى فإلى الأكابر من ولدي».
شهد المقداد بن الاسود ، والزبير بن العوام ، وكتب علي بن أبي طالب (36).
الواقدي : إنّ فاطمة لما حضرتها الوفاة أوصت علياً أن لا يصلي عليها أبو بكر وعمر فعمل بوصيتها.
وأوصت إلى علي بثلاث :
أن يتزوج بابنة أختها أمامة لحبها أولادها.
وأن يتخذ نعشاً لأنّها كانت رأت الملائكة تصوروا صورته ، ووصفته له.
وأن لا يشهد أحد جنازتها ممن ظلمها.
وأن لا يترك أن يصلي عليها أحد منهم (37).
غسلها عليهاالسلام عند الوفاة :
روى أحمد بن حنبل باسناده قال : قالت أم سلمة امرأة أبي رافع : اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيها ، وكنت أمرّضها ، فأصبحت يوماً أسكن ما كانت ، فخرج علي إلى بعض حوائجه فقالت : اسكبي لي غسلاً ، فسكبت ، فقامت واغتسلت أحسن ما يكون من الغسل ، ثم لبست أثوابها الجدد ، ثم قالت : افرشي فراشي وسط البيت ، ثم استقبلت القبلة ونامت ، وقالت : أنا مقبوضة ، وقد اغتسلت فلا يكشفني أحد ، ثم وضعت خدّها على يدها وماتت (38).
وروي : لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء : إنّ جبرئيل أتى النبي صلىاللهعليهوآله لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة ، فقسمه أثلاثاً : ثلثاً لنفسه ، وثلثاً لعلي ، وثلثاً لي ، وكان أربعين درهماً فقالت : يا أسماء أئتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا فضعيه عند رأسي ، فوضعته ، ثم تسجت بثوبها وقالت : انتظريني هنيهة وادعيني فان أجبتك وإلّا فاعلمي أني قد قدمت على أبي صلىاللهعليهوآله.
فانتظرتها هنيهة ثم نادتها فلم تجبها فنادت : يا بنت محمد المصطفى ، يا بنت أكرم من حملته النساء ، يا بنت خير من وطىء الحصى ، يا بنت من كان من ربّه قاب قوسين أو أدنى.
قال : فلم تجبها ، فكشفت الثوب عن وجهها فاذا بها قد فارقت الدنيا ، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول : فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فاقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام.
فبينا هي كذلك إذ دخل الحسن والحسين فقالا : يا أسماء ما ينيم أمنا في هذه الساعة؟
قالت : يا ابني رسول الله ليست أمكما نائمة ، قد فارقت الدنيا ، فوقع عليها الحسن يقبلها مرة ويقول : يا أماه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني.
قالت : وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول : يا أماه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت.
قالت لهما أسماء : يا ابني رسول الله انطلقا إلى أبيكما علي فأخبراه بموت أمكما ، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء ، فابتدرهما جميع الصحابة فقالوا : ما يبكيكما يا ابني رسول الله ، لا أبكى الله أعينكما ، لعلكما نظرتما إلى موقف جدّكما فبكيتما شوقاً اليه.
فقالا : لا ؛ أو ليس قد ماتت أمنا فاطمة صلوات الله عليها.
قال : فوقع علي عليهالسلام على وجهه يقول : بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزّى ففيم العزاء من بعدك.
ثم قال :
لكلّ اجتماع من خليلين فرقة / وكلّ الذي دون الفراق قليل
وإنّ افتقادى فاطماً بعد أحمد / دليل على أن لا يدوم خليل (39)
أبناء رسول الله يودّعون أمهم :
قال علي عليهالسلام : والله لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها ولم أكشف عنها ، فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة ، ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكفنتها وأدرجتها في أكفانها ، فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت يا أم كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضة! يا حسن! يا حسين! هلموا تزودوا من أمكم ، فهذا الفراق واللقاء في الجنة.
فأقبل الحسن والحسين عليهالسلام وهما يناديان واحسرتا لا تنطفىء أبداً من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا فاطمة الزهراء ؛ يا أم الحسن يا أم الحسين إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فاقرئيه منا السلام وقولي له : إنّا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا.
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّي أشهد الله أنها قد حنت وأنّت ومدّت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً ، وإذا بهاتف من السماء ينادي : يا أبا الحسن إرفعهما عنها فلقد أبكيا ـ والله ـ ملائكة السماوات ، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب.
أمير المؤمنين عليهالسلام يودع فاطمة عليهاالسلام :
عن الحسين بن علي عليهالسلام قال : لما قبضت فاطمة عليهاالسلام دفنها أمير المؤمنين عليهالسلام سرّاً ، وعفا على موضع قبرها ، ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول صلىاللهعليهوآله ثم قال :
السلام عليك يا رسول الله عني ، والسلام عليك عن ابنتك ، وزائرتك ، والبائتة في الثرى ببقعتك ، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك ، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي ؛ إلّا أنّ في التأسي لي بسنتك في فرقتك موضع تعزّ ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت نفسك بين نحري وصدري.
بلى ؛ وفي كتاب الله لي أنعم القبول (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) قد استرجعت
الوديعة ، وأخذت الرهينة ، وأخلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله.
أمّا حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهد ، وهم لا يبرح من قلبي ، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم ، كمد وقيح ، وهم مهيج ، سرعان ما فرق بيننا ، وإلى الله أشكو ، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هظمها ، فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً ، وستقول ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين.
والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم ، فان انصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.
واهاً واهاً ، والصبر أيمن وأجمل ، ولو لا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً ، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية.
فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً ، وتهضم حقها ، ويمنع إرثها ، ولم يتباعد العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، وإلى الله ـ يا رسول الله ـ أحسن العزاء ، صلى الله عليك وعليهاالسلام والرضوان (40).
الظلمة يلاحقون فاطمة بعد الشهادة :
عن الصادق عليهالسلام في حديث طويل : … فلمّا أصبح أبو بكر وعمر .. فلقيا رجلاً من قريش فقالا له : من أين أقبلت؟
قال : عزّيت علياً بفاطمة.
قالا : وقد ماتت؟
قال : نعم ، ودفنت في جوف الليل …
ثم أقبلا إلى علي عليهالسلام فلقياه فقالا له : والله ما تركت شيئاً من غوائلنا ومسائتنا ، وما هذا إلّا من شيء في صدرك علينا .. هل هذا إلّا كما غسلت رسول الله صلىاللهعليهوآله دوننا ولم تدخلنا معك؟! وكما علمت ابنك أن يصيح بأبي بكر أن : انزل عن منبر أبي ….
فأجابهم أمير المؤمنين عليهالسلام عن افتراءاتهم ثم قال : وأما فاطمة فهي المرأة التي استأذنت لكما عليها ، فقد رأيتما ما كان من كلامها لكما ، والله لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها ، وما كنت الذي أخالف أمرها ووصيتها إليّ فيكما.
فقال عمر : دع عنك هذه الهمهمة ، أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى أصلّي عليها.
فقال له علي عليهالسلام : والله لو ذهبت تروم من ذلك شيئاً ـ وعلمت أنّك لا تصل إلى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه عيناك ـ فاني كنت لا أعاملك إلّا بالسيف قبل أن تصل إلى شيء من ذلك.
فوقع بين علي عليهالسلام وعمر كلام حتى تلاحيا واستبسل … (41).
وفي عيون المعجزات : … ودفنها … وجدّد أربعين قبراً ، فاستشكل على الناس قبرها ، فأصبح الناس ولام بعضهم بعضاً ، وقالوا إنّ نبينا صلىاللهعليهوآله خلّف بنتاً ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها ، ولا نعرف قبرها فنزورها.
فقال من تولّى الأمر : هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتى نجد فاطمة عليهاالسلام فنصلّي عليها ونزور قبرها ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام فخرج مغضباً قد احمرت عيناه ، ودرّت أوداجه ، وعليه القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الكريهة ، وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار حتى أتى البقيع ، فسار الناس من أنذرهم وقال :
هذا علي قد أقبل كما ترونه وهو يقسم بالله لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الآمرين.
فتلقاه الرجل ومن معه من أصحابه وقال له : مالك يا أبا الحسن ، والله لننبشن قبرها ونصلّي عليها.
فأخذ علي بجوامع ثوبه ثم ضرب به الأرض وقال : يابن السوداء ، أمّا حقّي فقد تركته مخافة ارتداد الناس عن دينهم ، وأمّا قبر فاطمة فوالذي نفسي علي بيده لئن رمت أنت أو أصحابك شيئاً لأسقين الأرض من دمائكم ، فان شئت فافعل يا ثاني.
وجاء الأول وقال له : يا أبا الحسن بحقّ رسول الله وبحقّ فاطمة إلّا خلّيت عنه فانا لسنا فاعلين شيئاً تكرهه ، فخلى عنه وتفرّق الناس ولم يعودوا إلى ذلك (42).
المصادر:
1- البحار ٤٣ / ٣٧ ح ٤٠ باب ٣.
2- البحار ٤٣ / ٣٦ ح ٣٩ باب ٣.
3- المصدر نفسه.
4- البحار ٤٣ / ٥١ ح باب ٣ ، عن كشف الغمة ، عن معالم العترة.
5- البحار ٤٣ / ٥٤ ج ٤٨ باب ٣.
6- البحار ٤٣ / ٩١ ح ١٦ باب ٤.
7- سنن الترمذي ٥ / ٧٠٣ ح ٣٨٧٨.
8- ينابيع المودة ٢ / ١٢١ رقم ٣٥٤ باب ٥٦.
9- البحار ٤٣ / ٥٣ ح ٤٨ باب ٣.
10- البحار ٣٧ / ٧٩ ح ٤٨ باب ٥٠.
11- المناقب للخوارزمي : ٣٠٢ ح ٢٩٧.
12- كفاية الطالب : ٣٢٠ ـ ٣٢١ باب ٨٩.
13- البحار ٤٣ / ١٨ ح ١٨ باب ٢ ، الصواعق المحرقة : ١٦٠ باب ١١ الفصل الأول الآية العاشرة.
14- الخصائص الفاطمية ٢ / ٥٤٥ وما قبلها وما بعدها.
15- المناقب لابن شهر آشوب ٣ / ٣٥٧ ، دلائل الإمامة : ١٠ ، أصول الكافي ١ / ٤٥٨ ، كشف الغمة ٢ / ٧٥.
16- سورة الحشر : ٦ ـ ٧.
17- الميزان ١٩ / ٢١١ ذيل الآية الشريفة.
18- البحار ٢٩ / ٢١٥ باب جوامع الاحتجاج في أمر فدك.
19- نهج البلاغة كتاب : ٤٥.
20- شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٠٨.
21- سورة الاسراء : ٢٦.
22- تفسير نور الثقلين ٤ / ١٧٣ ح ١٥٨.
23- تفسير نور الثقلين ٤ / ١٧٤ ح ١٥٦ ، .
24- بحار الأنوار ٢٩ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ح ٤١.
25- الاختصاص : ١٨٣ ـ ١٨٥.
26- حلية الاولياء ٢ / ٤٣ ، المستدرك للحاكم ٣ / ١٦٣ ، أسد الغابة ٥ / ٢٥٤ ، الاستيعاب ٢ / ٧٥١ ، المقتل للخوارزمي ١ / ٨٣ ، إرشاد الساري للقسطلاني ٦ / ٣٢٦ ، الاصابة ٤ / ٣٧٨ ـ ٣٨٠ ، تاريخ الخميس ١ / ٣١٣ ، الامامة والسياسة ١ / ١٤ وغيرها ….
27- البحار ٢٩ / ١٩٢.
28- سورة الاحزاب : ٥٧.
29- الامامة والسياسة ١ / ١٣ ـ ١٤.
30- المستدرك للحاكم ٣ / ١٥٤ ، تذكرة الخواص : ١٧٥ ، المقتل للخوارزمي ١ / ٥٢ ، كفاية الطالب : ٢١٩ ، كنز العمال ٧ / ١١١ ، الصواعق المحرقة : ١٠٥.
31- رجال الكشي : ٥٢٩ ح ١٠١٢.
32- بحار الانوار ٢٧ / ٦٢.
33- فرائد السمطين ٢ / ٣٤ ـ ٣٥ ، الأمالي للصدوق : ٩٩ ـ ١٠٠ ، إثبات الهداة ١ / ٢٨٠ ـ ٢٨١ ، إرشاد القلوب : ٢٩٥ ، بحار الانوار ٢٨ / ٣٧ ـ ٣٩ و ٤٣ / ١٧٢ ـ ١٧٣ ، العوالم ١١ / ٣٩١ ـ ٣٩٢ ، المحتضر : ١٠٩.
34- بحار الانوار ٢٧ / ٥٨.
35- تاريخ بغداد ١ / ٢٥٩.
36- البحار ٤٣ / ١٨٥ ح ١٨.
37- البحار ٤٣ / ١٨٢ ح ١٦.
38- البحار ٤٣ / ١٨٣.
39- البحار ٤٣ / ١٨٦ ـ ١٨٧.
40- البحار ٤٣ / ١٩٤.
41- البحار ٤٣ / ٢٠٥.
42- دلائل الامامة : ٤٧.
المصدر: www.rasekhoon.net