خطبه نماز جمعه 26-02-2021

موضوع خطبتنا کان یدور حول التقوی … و دورها فی الحیاة وقىد تبيّن أنّ الانسان مسافر إلى الله تعالى، وكادح كدحاً للوصول إليه والقرب منه واللقاء به، وأنّ ذلك لا يتحقّق إلاّ من خلال اتباع القرآن والعترة الطاهرة اللذين هما حبل الصعود إليه سبحانه، أشار القرآن إلى زاد هذا السفر الالهي حيث قال: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الاَْلْبَابِ)([1]قال الفخر الرازي في ظل هذه الآية: «إنّ المراد: وتزوّدوا من التقوى، والدليل عليه قوله بعد ذلك (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى). وتحقيق الكلام فيه أنّ الانسان له سفران:
l سفر في الدنيا. وسفر من الدنيا.
فالسفر في الدنيا لابدّ له من زاد، وهو الطعام والشراب والمركب والمال. والسفر من الدنيا لابدّ لابدّ فيه أيضاً من زاد، وهو معرفة الله ومحبّته والاعراض عمّا سواه، وهذا الزاد خير من الزاد الاوّل لوجوه:

الاوّل: أنّ زاد الدنيا يخلّصك من عذاب موهوم، وزاد الآخرة من عذاب متيقّن.

الثاني: أنّ زاد الدنيا يخلّصك من عذاب منقطع، وزاد الآخرة من عذاب دائم.

الثالث: أنّ زاد الدنيا يوصلك إلى لذّة ممزوجة بالآلام والاسقام والبليات، وزاد الآخرة يوصلك إلى لذات باقية خالصة عن شوائب المضرّة، آمنة من الانقطاع والزوال.
الرابع: أنّ زاد الدنيا وهي كلّ ساعة في الادبار والانقضاء، وزاد الآخرة يوصلك إلى الآخرة، وهي كلّ ساعة في الاقبال والقرب والوصول.
الخامس: أنّ زاد الدنيا يوصلك إلى منصّة الشهوة والنفس، وزاد الآخرة يوصلك إلى عتبة الجلال والقدس، فثبت بمجموع ما ذكرنا أنّ خير الزاد التقوى.
إذا عرفت هذا، فلنرجع إلى تفسير الآية: فكأنّه تعالى قال: لمّا ثبت أنّ خير الزاد التقوى، فاشتغلوا

بتقواي يا أُولي الالباب، يعني إن كنتم من أرباب الالباب الذين يعلمون حقائق الامور، وجب عليكم بحكم

عقلكم ولبّكم أن تشتغلوا بتحصيل هذا الزاد، لما فيه من كثرة المنافع.

فقد أظلَّنا في هذِه الأيّامِ ؛ شهرٌ عظيمٌ من الأشهرِ الحُرُمِ العِظامِ؛ الّتي أمر اللهُ سبحانه وتعالى بتعظيمِها، والالتزامِ فيها أكثرَ بدينِه وشرعِه، وإجلالِها؛ فقال: رسول الله صلّى الله عليه وآله: ألاَ إنّ رجب شهر الله الأصمّ، وهو شهر عظيم؛ وإنّما سُمّي الأصمَّ لأنّه لا يقارنه شهر من الشهور حرمةً وفضلاً عند الله تبارك وتعالى. کما انّ هذا الشّهر وشهر شعبان وشهر رمضان هي أشهر متناهية الشرف، والاحاديث في فضلها كثيرة، بل روي عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال : انّ رجب شهر الله العظيم لا يقاربه شهر من الشّهور حرمةً وفضلاً، والقتال مع الكفّار فيه حرام ألا انّ رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر اُمّتي، ألا فمن صام من رجب يوماً استوجب رضوان الله الاكبر، وابتعد عنه غضب الله، واغلق عنه باب من أبواب النّار،. وهنا اشیر بمناسبة مهمه و هی ذكرى ولادة الإمام علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين عليه السلام في الثالث عشر من شهر رجب الاصب في جوف الكعبة المشرفة، بيت الله الحرام، وهنا اطرح هذا السئوال کیف یمکن لنا ان نستفید من بحر علومه ونصطاد بعضاً من جواهره الثمينة، والجواب واضح انه لا يتحقق ذلك الا بعد شروطه ، منها:
أولاً: ان تتعامل مع الإمام كنهج للحياة، للدنياالتي هي مزرعة الآخرة، فإذا تعاملت معه كنهج لما بعد الحياة الدنيا
ثانياً: ان لا تتعامل معه على أساس انه تاريخ مضى وانقضى، أبداً، وانما يجب ان تتعامل معه كشاهد حاضرفي مواقفه وخطبه وحكمه ورسائله ونصائحه، في سلمه وفي حربه، كرجل في السلطةوخارجها، كمؤمن يتعبد الله بطريقة الاحرار لأنه أهل للعبادة، وهكذا.هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان عليك ان لا تحصره في زاوية من التاريخ، تستقطع منه مايثير فضولك وتتجاهل ما يحكمك، تستقرئ ما ينفعك وتتجاوز عما يفرض عليك التزاماًولو من نوع ما.
ثالثاً: ان تتعامل معه كمنهج شامل فلا تسجنه بقضايا تاريخية أو بمذهب محدد أو حتى بدين بعينه.انه منهج للحياة أولاً ولمستقبل أفضل وأحسن ثانياً، وهو منهج شامل يمكن ان يتعلم منهالإنسان إذا ما انفتح عليه بلا تعصب أو تمذهب أو تحزب أو طوباوية أو حتى مثالية.لو لم يكن الإمام منهج للحياة لما تأثر به غيرالمسلمين، ولو لم يكن نهجاً إنسانياً لتجاهله الآخرون. ایها الاخوه ان في مسعى من البعض لتحجيم الإمام وتقزيم هويته وحصر عنوانه، وكل ذلك خطأ في خطأ بل جريمة لا تغتفر، فان وضع الإمام في صندوق، مهما كان عنوانه، ووصد أبوابه، ليس خسارة للإمام أبداً،فالإمام لا يخسر شيئا في هذه الحالة، وانما الخسارة ستكون لنا عظيمة لأننا نخسربذلك نبعا عظيما وثرا ومتدفقا من الفكر والثقافة وقيم الحضارة ومعاني السموالأخلاقي، ولذلك فان من يتعامل مع الإمام على انه تاريخ انقضى أو انه يتعامل معه كغيب لا يجوز تفسير حياته بوعينا ومقاييسنا أو ان يتعامل معه على انه (إمامالشيعة) مثلا أو حتى (خليفة المسلمين) فانه واهم وهو الخاسر الأكبر من كل ذلك ان الإمام ليس لزمان محدد، وهو ليس لطائفة دون أخرى، أو لدين دون آخر أو لقومية دون أخرى،انه للإنسان، في كل زمان ومكان فلماذا لا يحق لأمثالي الاستشهاد بنظرياته وآرائه بحجة تقادم الزمن عليه؟ أو بسبب هويته، مثلا؟ لماذا يحق للآخرين ان يستشهدوا بأفلاطون ونظرياته وبأرسطو وأقواله وبمونتسكيو وكتاباته وبماركس وأقواله وبكائن من كان ولا يحق لي ان استشهد بما قاله الإمام؟ لماذا يحق للأمريكان مثلا ان يفتخروا بدستورهم الذي مر عليه أكثر من قرنين من الزمن من دون ان يقول احد بأنه قديم النزعة أو مستهلك في آرائه، ولا يحق لي ان افتخربالإمام الذي لم يظهر لحد الآن كاتب أو باحث أو مفكر أو منظر في كل العالم ليشير إلى خطأ واحد في قول من أقواله أو نهج من مناهجه أو نظرية من نظرياته؟ ان الإمام لا يفهمه الا المتعلمون، ولا يعي نهجه الا الذين هم على سبيل نجاة، اماالجاهلون أو المتعصبون أو المتخندقون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *