خطبه الجمعه رقم 91 فی آفات اللسان فی موضوع الاحتراز من سوء الظن تاریخ 9 جولای 2021
خطبه الجمعه رقم 91 فی آفات اللسان فی موضوع الاحتراز من سوء الظن تاریخ 9 جولای 2021 المطابق 28 ذی القعده 1442
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاسْتَشْعِرُوا دَائِمًا وَأَبَدًا مُرَاقَبَةَ اللَّهِ لَكُمْ، وَاحْذَرُوا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَة: 281].ایها المو منون كما تعرفون فان موضوع حديثنا حول أفات اللسان وقد تحدثنا 90 خطبه من خطب الجمعه حول آفات اللسان و الیوم اشیر الی آفۀ اخری من آفات اللسان وهی:اظهار سو ء الظن بالسنتنا و بدایتا لابد ان اعرف سوء الظن وحسن الظن :و
عند ما ترد هاتان المفردتان ويراد بهما سوء الظن أو حسنه بالنسبة إلى الناس فَإنّ لهما مفهوماً واضحاً ، فالمفهوم من سوء الظن هو أنّه كلّما صدر من شخص فعلٍ معيّن يحتمل الوجهين الصحيح والسقيم ، فنحمله على المحمل السقيم ونفسّره بالتفسير السيء ، مثلاً عند ما يرى الشخص رجلاً مع امرأة غريبة فيتصوّر أنّ هذه المرأة أجنبية وأنّ هذا الرجل ينوي في قلبه نيّة سوء تجاهها ويريد ارتكاب المنكر معها ، في حين أنّ حسن الظن يقود الإنسان إلى القول بأنّ هذه المرأة هي زوجته أو أحد محارمه حتماً ، أو عند ما يقدم إنسان على بناء مسجد أو أي عمل من أعمال الخير الاخرى ، فإنّ مقتضى سوء الظن أن يوحي للإنسان بأنّ هدف هذا الشخص هو الرياء أو خداع الناس وأمثال ذلك ، في حين أنّ حسن الظن يدفعه إلى القول بأنّ عمله هذا كان بدافع إلهي ونيّته خير وصلاح.لاشک إنّ سوء الظن عند ما يتحوّل إلى حالة باطنية وخصلة أخلاقية فإنّه يعدّ من أشنع الرذائل الأخلاقية التي تؤدّي إلى الفرقة بين العوائل وتمزّق المجاميع البشرية والإنسانية. وأوّل ثمرة سلبية لسوء الظن هي عدم الاعتماد وزوال الثقة بين الناس ، وعند ما تزول الثقة فإنّ عملية التعاون والتكاتف في حركة التفاعل الاجتماعي ستكون عسيرة للغاية ، ومع زوال التعاون والتكاتف في المجتمع البشري فسوف يتبدّل هذا المجتمع إلى جحيم ومحرقة يعيش فيه الأفراد حالة الغربة والوحدة من الأفراد الآخرين ويتحرّكون في تعاملهم من موقع الريبة والتشكيك والتآمر ضدّ الآخر. ولهذا السبب فإنّ الإسلام ولأجل توكيد ظاهرة الاعتماد المتقابل بين الأفراد والامم إهتمّ بهذه المسألة اهتماماً بالغاً ، فنهى بشدة عن سوء الظن ومنع الأسباب التي تورث سوء الظن لدى الأفراد ، وعلى العكس من ذلك فإنّه مدح وأيّد بشدّة حسن الظن الذي يفضي إلى زيادة المحبّة والاعتماد المتقابل والثقة بالطرف الآخر ، وبالتالي تحرّك المجتمع نحو التقدّم والتعالي والتكامل في مسيرته الحضارية ، واعتبر أنّ حسن الظن من الصفات والأعمال الإيجابية جدّاً ودعي الناس إلى ذلك.ولا شك أنّ حسن الظن قد يؤدّي إلى بعض الخسارة أحياناً ، ولكن هذه الخسارة لا تقبل القياس مع الاضرار الوخيمة والآثار السلبية الكثيرة المترتبة على سوء الظن.وبهذه الإشارة نعود إلى آیة من القرآن الكريم تستعرض الحديث عن سوء الظن وتنهى المؤمنين بصراحة وبشدة عن سوء الظن في تعاملهم الإجتماعى فيما بينهم وتشير إلى أنّه قد يكون بمثابة المقدمة إلى التجسس والغيبة وتقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).ولكن لماذا ورد التعبير (كثيراً من الظن)؟ لأن أكثر أشكال الظن بين الناس بالنسبة إلى الطرف الآخر تقع في دائرة السوء والشر ، لذلك ورد التعبير بقوله (كثيراً).ويحتمل أيضاً أن يكون المراد من كلمة (كثير) أنّ أغلب الظنون هي من جنس الظنون السيئة بل إنّ الظنون السيئة كثيرة بالنسبة لها رغم أنّها بالمقايسة إلى ظنون الخير لا تكون كثيرة ، ولكن ظاهر الآية ينسجم مع المعنى الأوّل أكثر.والملفت للنظر هو أنّ هذه الآية بعد النهى عن كثير من الظن ذكرت العلّة في ذلك وقالت بأنّ بعض الظنون هي في الحقيقة إثم وذنب ، وهو إشارة إلى أنّ الظنون السيئة على قسمين :فمنها ما يطابق الواقع ومنها ما يخالف الواقع ، فما كان على خلاف الواقع يكون إثماً وذنباً ، وبما أنّ الإنسان لا يعلم أيّهما المطابق للواقع وأيّهما المخالف ، وعليه فيجب تجنّب الظن السيء اطلاقاً حتى لا يتورط الإنسان في سوء الظن المخالف للواقع وبالتالي يقع في الإثم وممارسة الخطيئة.وبما أنّ سوء الظن بالنسبة إلى الإعمال الخاصّة للناس يعد أحد أسباب التجسس ، وأحد الدوافع التي تقود الإنسان إلى أن يتجسس على أخيه ، والتجسس بدوره يتسبب أحياناً في الكشف عن العيوب المستورة للآخرين وبالتالي سيكون سبباً ودافعاً للغيبة أيضاً ، ولذلك فانّ الآية الشريفة تتحدّث عن سوء الظن أوّلاً ، وفي المرحلة الثانية ذكرت عنصر التجسس ، وفي الثالثة نهت عن الغيبةمضافا بان التعبير بالمؤمنين والمؤمنات يدل على أنّ من علامات الإيمان هو حسن الظن بالنسبة إلى المسلمين ، وتدلّ على أنّ سوء الظن يتقاطع مع جوهر الإيمان.، ولو لم يكن في بيان قبح هذه الرذيلة الأخلاقية سوى ما ورد في بعض الآيات القرآنية الشريفة لكفى ذلك ، فكيف بما ورد في الكثير من الآيات والروايات الدينية الاخرى وبالنسبة إلى الروايات الإسلامية فالمتتبع يرى أنّ تقبيح هذه الرذيلة الأخلاقية وذمّهاعلى أساس أنّها من أشنع الخصال الأخلاقية السلبية ولهذه الرذيلة صدى واسع في النصوص الدينية الروائية ، ونستعرض هنا بعض النماذج في هذا الباب : 1 ـ ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «إِيّاكُم وَالظّنُّ فَانَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الكِذبِ» (.ـ وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٣٨ ، ح ٤٢ ؛ بحار الانوار ، ج ٧٢ ، ص ١٩٥.)2 ـ ونقرأ في حديث آخر أيضاً عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله قوله : «أَنَّ اللهَ حَرَّمَ مِنَ المُسلِمِ دَمَهُ وَمالَهُ وَعرِضَهُ وَأَنَّ يَظُنَّ بِهِ السُّوءَ» (المحجة البيضاء ، ج ٥ ، ص ٢٦٨). 3ـ وورد أيضاً عنه عليهالسلام أنّه قال : «شَرُّ النّاسِ مَنْ لا يَثِقُ بِأَحَدٍ لِسُوءِ ظَنَّهِ وَلا يَثِقُ بِهِ أَحَدٌ لِسُوءِ فِعلِهِ» (غرر الحكم). 5 ـ ونقرأ في نهج البلاغة قول الإمام علي عليهالسلام : «لا تَظُنَنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سُوءً وَأَنتَ تَجِدُ لَها فِي الخَيرِ مُحتَمَلاً (مَحمَلاً») (نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، ح ٣٦٠ ؛ بحار الانوار ، ج ٧١ ، ص ١٨٧.) 5 ـ ونقرأ في حديث آخر عن أمير المؤمنين عليهالسلام أيضاً قوله : «وَاللهِ ما يُعَذِّبُ اللهُ سُبحَانَهُ مُؤمِناً بَعدَ الإِيمانِ إِلّا بِسُوءِ ظَنِّهِ وَسُوءِ خُلُقِهِ» (غرر الحكم).
6-ونقرأ في حديث آخر عن هذا الإمام الهمام عليهالسلام نفسه : «مَنْ غَلَبَ عَلَيهِ سُوءُ الظَّنِّ لَم يَترُكْ بَينَهُ وَبَينَ خَلِيلٍ صُلحَاً» (غرر الحكم).وكذلك وردت روايات كثيرة في باب سوء الظن بالله وعدم الإيمان والتصديق بوعده حيث تحكي عن آثار سلبية خطيرة في حياة الإنسان المادية والمعنوية ، ومن ذلك : كما رأينا أنّ سوء الظن يفضي إلى إيجاد الخلل والارتباك في المجتمع البشري
ويؤدّي إلى سقوط الإنسان الأخلاقي والثقافي ويورثه التعب والألم والشقاء والمرض الجسمي والروحي ، ففي الجهة المقابلة نجد أنّ حسن الظن يتسبب في أن يعيش الإنسان الراحة والوحدة والاطمئنان النفسي ، ولهذا السبب نجد أنّ الروايات الإسلامية الكثيرة تؤكّد على حسن الظن بالنسبة إلى الناس ، وكذلك بالنسبة إلى الله تعالى ، أمّا في مورد حسن الظن بالنسبة إلى الناس ، فنختار من الأحاديث الشريفة ما يلي :
١ ـ ما ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «حُسنُ الظَّنِّ مِنْ أَفضَلِ السَّجايا وَأَجزَلِ العَطايا».
٢ ـ ونقرأ في حديث آخر عن هذا الإمام العظيم عليهالسلام أنّه قال : «حُسنُ الظَّنِّ مِنْ أَحَسنِ الشِّيَمِ وَأَفَضلِ القِسَمِ».
٣ ـ وأيضاً ورد عن هذا الإمام عليهالسلام قوله : «حُسنُ الظَّنِّ يُخَفِّفُ ألَهَمَّ وَيُنجِي مِنْ تَقَلُّدِ الإِثمَ».
٤ ـ وفي حديث آخر عن هذا الإمام العظيم عليهالسلام أيضاً أنّه قال : «حُسنُ الظَّنِّ مِنْ رَاحَةُ الَلبِ وَسَلامَةُ الدِّينِ».
أمّا بالنسبة إلى حسن الظنّ بالله تعالى ، فقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الباب و انا اکتفی بذکر حدیث واحد ورد عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «وَالَّذِي لا إِله إِلّا هُوَ لا يَحسُنُ ظَنَّ عَبدٍ مُؤمِنٍ بِاللهِ إِلّا كانَ اللهُ عِندَ ظَنِّ عَبدِهِ المُؤمِنِ لأَنَّ اللهَ كَرِيمٌ بِيَدِهِ الخَيراتُ يَستَحِيي أِنْ يَكُونَ عَبدُهُ المُؤمِنُ قَدْ أَحسَنَ بِهِ الظَّنَّ ثُمَّ يُخلِفُ ظَنَّهُ وَرَجاءَهُ فَأَحسِنُوا بِاللهِ الظَّنَّ وَارغَبُوا إِلِيهِ» (٤).بحار الانوار ، ج ٦٧ ، ص ٣٦٥ ، ح ١٤.و هنا اشیر الی إنّ إتّساع دائرة سوء الظن في المجتمعات البشرية يترتب عليها آثار سلبية وخيمة ومضرّات كثيرة قد لا تكون مستورة على أحد من الناس ، ولكن لغرض توضيح هذا المطلب ينبغي الالتفات إلى بعضها :الاثر الاول : إنّ من أسوأ الآثار السلبيّة لهذه الرذيلة الأخلاقية على المستوى الاجتماعي هو (زوال الثقة والاعتماد المتقابل) بين أفراد المجتمع فنجد أنّ المجتمع البشري الذي يسوده عدم الثقة وعدم الاعتماد بين أفراده فمثل هذا المجتمع تتبخّر فيه أجواء التعاون والتكاتف وتزول منه البركات الكثيرة للحياة المشتركة في حياة الإنسان ،الاثر الثانی : إنّ سوء الظن يؤدّي إلى تدمير وتخريب الهدوء النفسي والروحي ، لذلك المجتمع فمن يعيش سوء الظن فإنّه لا يجد الراحة والاطمئنان في علاقته مع الآخرين ويخاف من الجميع وأحياناً يتصوّر أنّ جميع الأفراد يتحرّكون للوقيعة به ويسعون ضدّه ، فيعيش في حالة دفاعية دائماً وبذلك يستنزف طاقاته وقابلياته بهذه الصورة الموهومة.الاثر الثالث : أنّ العامل الأصلي للكثير من الحالات الجنائية هو سوء الظن الذي لا يقف على أساس متين والذي يدفع الإنسان إلى إرتكاب حالات العدوان والجريمة بحق الأبرياء. خاصة إذا كان سوء الظن يتعلق بالعرض والناموس أو يتصوّر أنّ الآخرين يتآمرون عليه ويهدفون إلى الوقيعة به في ماله أو عرضه ،فيؤدّي به إلى إرتكاب جريمة وسفك الدماء البريئة
الاثر الرابع : إنّ سوء الظن هو في الحقيقة ظلم فاضح للغير ، لأنّه يجعل الطرف الآخر في قفص الأتّهام في فكر هذا الشخص وذهنه فيكيل له أنواع السهام ويطعنه في شخصيّته وحيثيته ، فلو أضفنا إلى ذلك بعض الممارسات العملية المستوحاة من سوء الظن لكان الظلم أكثر
الاثر الخامس :إنّ سوء الظن يتسبّب في أن يفقد الإنسان أصدقاءه ورفاقه بسرعة ، وبالتالي يعيش الوحدة والانفراد والعزلة وهذه الحالة هي أصعب الحالات النفسية الّتي يواجهها الفرد في حركة الحياة الاجتماعيةو هنا اشیر الی ثلاثه امور يمكنها أن تساعد الإنسان على إنقاذه من شر هذه الحالة السلبية ، وهي :الامر الاول : البحث عن الاحتمالات السليمة في تبرير سلوكيات الآخرين المبهمة التي قد تورثه سوء الظن ومن الواضح أنّ الكثير من الأعمال والسلوكيات الصادرة من الأشخاص تقبل التبرير السليم والحمل على الصحّة.الامر الثانی : أن يبتعد الإنسان عن التجسّس في أعمال الآخرين والذي قد يكون معلولاً لسوء الظن أولاً ، ويتسبب كذلك في سوء الظن أيضاً ، فلو أنّ الإنسان تجنّب التجسّس في حياة الآخرين الخصوصية فانّه يكون قد تخلّص من أحد الأسباب المهمّة لسوء الظن.الامر الثالث : أن لا يرتب أثراً عملياً على سوء ظنّه وبذلك يحقّق له أحد طرق العلاج لهذه الرذيلة ، لأنّ الإنسان إذا أساء الظن بشخص من الأشخاص وأفعاله ثم جسّد سوء الظن هذا على سلوكياته وأفعاله كأن يبتعد عنه ويظهر عدم الثقة به أو يستشمّ من أفعاله وعلاقته بذلك الشخص أنّه يسيء الظن به ، فهذه الحالة تسبب في تقوية سوء الظن وزيادته واشتداده ، ولكن إذا لم يهتمّ لذلك ولم يرتّب عليه أثراً ، فإنّه سيضعف تدريجياً وبالتالي سينتهي ولذلك ولا شك أنّ الالتفات إلى العقوبات الإلهية الاخروية والآثار المعنوية السلبية لهذه الرذيلة الأخلاقيةوتمنح الإنسان القدرة على التحرّك بعيداً عن ممارسة تداعيات هذه الصفة الأخلاقية الذميمة وفی الختام لابد ان اشیر الی حقیقة مهمه بانه لا شك أنّ قبح سوء الظن رغم أنّه يعتبر قاعدة كليّة وأصل من الاصول الاخلاقّية في دائرة علم الإخلاق ، إلّا أنّه هناك إستثناءات لهذا الأصل العام وردت الإشارة إليها في الروايات الإسلامية ، ومن ذلك إذا ساد الفساد والانحطاط الأخلاقي في مجتمع ما وكان التلّوث بالرذائل الإخلاقيّة هو السائد لهذا المجتمع البشري فانّ حسن الظن في مثل هذه الحالات ليس فقط لا يعدّ من الفضائل الإخلاقية ، بل يمكن أن يورّط الإنسان بعواقب سلبيّة ومشاكل حقيقية أيضاً نسال الله تبارک و تعالی ان یوفقنا بتهذیب النفوس و تقریب القلوب انشاء الله