خطبه الجمعه الخامسه فی موضوع دور الأخلاق في الحياة والحضارة الإنسانيّة
خطبه الجمعه الخامسه فی موضوع دور الأخلاق في الحياة والحضارة الإنسانيّة فی الیوم الرابع من مارس 2022 المطابق 1من شهر شعبان 1443
يعتقد البعض من غير المطّلعين، أنّ المسائل الأخلاقيّة تمثل أمراً خاصاً في حدود الشّخصية للإنسان، أو أنّها مسائل مقدّسة معنويّة، لا تفيد إلّافي الحياة الاخرويّة، وهو أشتباه محض، لأن فالمجتمع البشري بلا أخلاق، سينقلب إلى حديقةِ حيواناتٍ لا يُجدي معها إلّا الأقفاص،.وبناءا علی ذلک فان أكثر المسائل الاخلاقيّة لها أثرها في واقع الحياة الإجتماعيّة للإنسان، سواء كانت ماديّة أم معنويّة، ولكنّ الأهمَّ من ذلك هو الحياة الإجتماعيّة للبشر، فما لميتمسك أفراد المجتمع بالأخلاق، فستكون نهاية المجتمع أليمة وموحشة جدّاً.ولرب قائل يقول: إنّ السّعادة و التكامل في واقع المجتمع البشري، يمكن أن يتحقّقا في ظِلِّ العمل بالقوانين و الأحكام الصّحيحة، من دون الإعتماد على مبادىء الأخلاق في الفرد.و نقول له: إنّ العمل بالقوانين، من دون وجود قاعدةٍ متماسكةٍ من القِيم الأخلاقيّة لدى الفرد غير ممكن، لأنّ الإيمان و الأخلاق، يُعتبران من أفضل الأساليب لتنفيذ أيّة قرارات و هنا یطرح هذا السئوال : ماهی أهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام ؟
يمكن لاجابۀ هذا السئوال نبيُّن أهمية الأخلاق في الإسلام من عدة أمور،:
أولاً: أنها أساس بقاء الأمم:فالأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها؛ فالأمة التي تنها أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها،:ويدلُّ على هذه القضية قولُه – تعالى -: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16].
ثانیا:أنها من أسبابِ المودة، وإنهاء العداوة:يقول الله – تعالى -: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]. ومن هنا قال: “إنكم لن تسَعُوا الناسَ بأموالكم، ولكن تسعونهم بأخلاقكم”، و “الواجب على العاقل أن يتحبَّب إلى الناس بلزوم حُسن الخُلق، وتَرْكِ سوء الخُلق؛ لأن الخُلق الحسَن يُذيب الخطايا كما تذيب الشمسُ الجليد، وإن الخُلق السيِّئ لَيُفسد العمل، كما يفسد الخلُّ العسلَ”
ثا لثا: تعظيم الإسلام لحُسن الخُلق:لم يعُدِ الإسلام الخلق سلوكًا مجرَّدًا، بل عده عبادةً يؤجر عليها الإنسان، ومجالاً للتنافس بين العباد؛ فقد جعله النبيُّ – صلی الله علیه و آله – أساسَ الخيريَّة والتفاضل يوم القيامة، فقال: ((إن أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة مجلسًا، أحاسنُكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني في الآخرة أسوَؤُكم أخلاقًا، الثَّرثارون المُتفَيْهِقون المُتشدِّقون).وكذلك جعَل أجر حُسن الخُلق ثقيلاً في الميزان، بل لا شيء أثقلُ منه، فقال: ((ما من شيءِ أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة مِن حُسن الخُلق)). وجعَل كذلك أجرَ حُسن الخُلق كأجرِ العبادات الأساسية، مِن صيام وقيام، فقال: ((إن المؤمنَ لَيُدركُ بحُسن الخُلق درجةَ الصائمِ القائم))، بل بلَغ من تعظيم الشارع لحُسن الخُلق أنْ جعَله وسيلة من وسائل دخول الحنة؛ فقد سُئل – صلی الله علیه و آله – عن أكثرِ ما يُدخِل الناسَ الجنَّةَ؟ فقال: ((تقوى اللهِ وحُسن الخُلق))، وفي حديث آخرَ ضمِن لصاحب الخُلق دخولَ الجنة، بل أعلى درجاتها، فقال: ((أنا زعيمٌ ببيت في ربَضِ – أطراف – الجنَّةِ لِمَن ترَك المِراءَ وإن كان محقًّا، وببيتٍ في وسَط الجنة لِمَن ترَك الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنَّة لمن حسُن خلُقه)).
رابعًا:.جعل النبي – صلی الله علیه و آله الغاية من بِعثته الدعوة للأخلاق. فقد صحَّ عنه – صلی الله علیه و آله -: ((إنما بُعِثْتُ لأتممَ مكارم الأخلاق)). و المعنی هذا الحدیث واضح لإن الخُلق هو أبرز ما يراه الناسُ، ويُدركونه من سائر أعمال الإسلام؛ فالناس لا يرون عقيدةَ الشخص؛ لأن محلَّها القلبُ، كما لا يرون كلَّ عباداته، لكنهم يرَوْن أخلاقه، ويتعاملون معه من خلالها؛ لذا فإنهم سيُقيِّمون دِينَه بِناءً على تعامله، فيحكُمون على صحتِه من عدمه عن طريق خُلقه وسلوكه، لا عن طريق دعواه وقوله، وقد حدَّثَنا التاريخ أن الشرق الأقصى ممثَّلاً اليوم في إندونسيا والملايو والفلبين وماليزيا، لم يعتنقْ أهلُها الإسلام بفصاحة الدعاة، ولا بسيف الغزاة، بل بأخلاقِ التجَّار وسلوكِهم، ؛ وذلك لما تعاملوا معهم بالصدق والأمانة والعدل والسماحة. وإن مما يؤسَفُ له اليوم أن الوسيلةَ التي جذبت كثيرًا من الناس إلى الإسلام هي نفسها التي غدَت تصرِفُ الناس عنه؛ وذلك لما فسَدت الأخلاق والسلوك، فرأى الناس تباينًا بل تناقضًا بين الادِّعاء والواقع!وهناك الطرق وأسباب ووسائل عشرۀ ، يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حُسن الخُلق، ومن ذلك ما يلي:
الطریق الاول : سلامة العقيدة: فالسلوك ثمرة لِما يحمله الإنسانُ من فكر ومعتقد، وما يَدين به من دِين، والانحراف في السلوك ناتجٌ عن خَلَل في المعتقد؛ فالعقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم أخلاقا؛ فإذا صحت العقيدة، حسُنَتِ الأخلاقُ تبعًا لذلك؛ فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبَها على مكارم الأخلاق، كما أنها تردَعُه عن مساوئِ الأخلاق.
الطریق الثانی : الدعاء: فيلجأ إلى ربه، ليرزقه حُسن الخُلق، ويصرف عنه سيِّئه، يقول في دعاء ا:« اللهم حسن خلقی کما احسنت خلقی » ((اهدِني یا الهی لأحسنِ الأخلاق، ولا يهدي لأحسنِها إلَّا أنتَ، واصرف عنِّي سيِّئَها، لا يصرفُ عنِّي سيِّئَها إلَّا أنتَ…))؛
الطریق الثالث : المجاهدة: فالخُلق الحسَن نوع من الهداية، يحصل عليه المرء بالمجاهدة؛ قال – عز وجل -: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]. والمجاهدة لا تعني أن يجاهد المرءُ نفسَه مرة، أو مرتين، أو أكثر، بل تعني أن يجاهد نفسَه حتى يموت؛ ذلك أن المجاهدة عبادة، والله يقول: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
الطریق الرابع : المحاسَبة: وذلك بنقدِ النفس إذا ارتكبت أخلاقًا ذميمة، وحملها على ألا تعود إليها مرة أخرى،
الطریق الخامس : التفكر في الآثار و الثمرات المترتبة على حُسن الخُلق: فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حُسن عواقبها، من أكبر الدواعي إلى فعلها، ، والسعي إليها،
الطریق السادس : النظر في عواقب سوء الخُلق: وذلك بتأمُّل ما يجلبه سوءُ الخُلق من الأسف الدائم، والهم الملازم، والحسرة والندامة، والبغضة في قلوب الخلق؛ فذلك يدعو المرءَ إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، وينبعث إلى محاسنها.
الطریق السابع : الحذر من اليأس من إصلاح النفس: فهناك مَن إذا ابتلي بمساوئ الأخلاق، وحاول التخلُّص من عيوبه فلم يُفلح – أيِس من إصلاح نفسه، وترَك المحاولة، وهذا الأمر لا يحسُن بالمسلم، ولا يليق به، بل ينبغي له أن يقوِّيَ إرادته، وأن يسعى لتكميل نفسه، وأن يجدَّ في تلافي عيوبه؛ فكم من الناس مَن تبدَّلت حاله، وسمَتْ نفسُه، وقلت عيوبه بسبب مجاهدته، وسعيه، وجدِّه، ومغالبته لطبعه.
الطریق الثامن : الصبر: فالصبر من الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها الخُلق الحسن، فالصبر يحمل على الاحتمال، وكَظْم الغيظ، وكف الأذى، والحِلْم، والأناة، والرفق، وترك الطيش والعجلة. وَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي شَيْءٍ تَطَلَّبَهُ = وَاسْتَشْعَرَ الصَّبْرَ إلَّا فَازَ بِالظَّفَرِ.
الطریق التاسع : التغاضي والتغافل و الإعراض عن الجاهلين:: وهو من أخلاقِ الأكابر، ومما يُعينُ على استبقاء المودَّة واستجلابها، وعلى وَأْدِ العداوة، وإخلاد المباغَضة، ثم إنه دليلٌ على سموِّ النفس، وشفافيتها﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].
الطریق العاشر :العفو والصفح ومقابلة الإساءة بالإحسان: فهذا سبب لعلوِّ المنزلة، ورِفعة الدرجة؛ قال النبيُّ – صلی الله علیه و آله ((وما زاد اللهُ عبدًا بعفو إلَّا عزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ لله إلا رفعه اللهُ))؛
وهنا اشیر الی نماذج من الأخلاق الحميدة:
ومن حسن الخلق: برُّ الوالدين، وصلة الأرحام، وليس الواصل بالمكافئِ، ولكن الواصل الذي إذا قَطَعت رحِمُه وصَلها.ومن حُسن الخلق: الإحسانُ إلى الجيران، وإيصال النفع إليهم. ومن حُسن الخُلق: إفشاء السلام على الخاص والعام، وطِيب الكلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام؛ فقد بشر النبيُّ – صلی الله علیه و آله – من كان كذلك بدخول الجنة بسلام.ومن حسن الخُلق: أن تسلِّمَ على أهل بيتك إذا دخَلْتَ عليهم، وهذه سنَّة مشهورة، وقد أصبحت عند الكثير من الناس اليوم مهجورة، مع أنها بركة على الداخل المسلِّم وأهل بيته، كما بيَّن ذلك النبي – صلی الله علیه و آله ومن حسن الخلق: معاشرة الزوجة بالإكرام والاحترام، وبشاشة الوجه، وطيب الكلام؛ قال – صلی الله علیه و آله -: ((خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)). ومن حُسن الخُلق: معاشرة الناس بالحفاوة والوفاء، وترك التنكُّر لهم والجفاء، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، والنصيحة لهم؛ فذلك من أهم أخلاق الإيمان والديانة.ومِن حُسن الخلق: استعمال النظافة في الجسم والثياب، وفي المنزل؛ فإن الله جميلٌ يحب الجمال، طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، وإن الله إذا أنعم على عبدِه نعمة يحبُّ أن يرى أثرَها عليه.