خطبه الجمعه یوم السابع عشر من شهر جون 2022 المطابق السابع عشر من شهر ذی القعده 1443
خطبه الجمعه یوم السابع عشر من شهر جون 2022 المطابق السابع عشر من شهر ذی القعده 1443 فی دور الاخلاق فی الحیاۀ الانسانیۀ فی بدایۀ حدیثی اوصیکم و نفسی بتقوی الله
کما تعرفون ان موضوع حدیثنا فی الخطب السابقه یدور حول موضوع دور الاخلاق فی الحیاۀ الانسانیه وقطعی بان الحياة الطيبة أمنية يتمناها كل إنسان على وجه هذه الأرض، ومطلب يسعى إلى تحقيقه بنو آدم أجمعون ولاشک ان کل انسان یبحث عن الطرق التی تسعده فی حیاته الدنیویه و یهرب نفسیا من الطرق التی تفشله فی الحیاۀ الدنیویه و طبیعی بان هناک اربع عوامل اساسیه لهم دور مهم فی تربیۀ الانسان و هذه العوامل هی دور الاصحاب و الاصدقاء و التربیۀ و الاستاذ و الرزق و قد تحدثنا فی الخطبه السابقه عن دور الاصدقاء فی تربیۀ الانسان و قلنا بان یوفق الانسان فی حیاته اذا یدقق جمیلا فی انتخاب الصدیق المناسب و یفشل فی حیاته فی حال لم یراقب کاملا فی انتخابه و نحن فی هذا الیوم نشیر الی دور التربیۀ فی حیاۀ الاطفال وتأثير الاسرة والوراثة في الأخلاق ومن المعلوم أنّ أوّل مدرسةٍ لتعليم القيم الأخلاقيّة، يدخلها الإنسان هي الاسرة، فكثيرٌ من اسس الأخلاق، التی تنمو في واقع الإنسان تتم هناك، فالمحيط السّليم أو الملّوث للُاسرة، له الأثر العميق في صياغة السّلوك الأخلاقي، لأفراد الاسرة، ، فالحجر الأساس للأخلاق في واقع الإنسان يوضع هناك و تتبيّن أهميّة الموضوع، عندما يتّضح أنّ الطفل في حركته التكامليّة، و مسيرته في خط التّربية
أولًا: يتقبّل ويتأثر بالمحيط بسرعةٍ كبيرةٍ ثانياً: إنّ ما يتعلمه الطّفل في صغره، سوف ينفذ إلى أعماق نفسه و
روحه، و قد سمعنا الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام، يقول فیه العِلمُ فِي الصِّغَرِ كالنَّقشِ فِي الحَجَرِ«غررالحکم » فالطفل يستلهم كثيراً من سجايا أبيه وامّه واخوته وأخواته، فالشّجاعة » فيه:
و السّخاء و الصّدق و الوفاء، و غيرها من الصّفات و السّجايا الأخلاقيّة الحميدة، يأخذها و يكسبها الطّفل من الكبار بسهولةٍ، و كذلك الحال في الرّذائل، حيث يكسبها الطّفل من الكبار بسهولةٍ أيضاًو بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الطّفل يكسب الصّفات من أبويه عن طريقٍ آخر، و هو الوراثة، فالكروموسومات لا تنقل الصفات الجسمانية فحسب، بل تنقل الصفات الأخلاقيّة أيضاً، و إن قانون الوراثة من القوانين المهمة في حياة الموجودات الحية . و هذا القانون هو الذي يكفل للنبات و الحيوان و الانسان بقاء صورها النوعية الخاصة بها مثلا إن بذرة المشمش تشتمل على جميع الصفات المائزة للشجرة التي وجدت منها ، فعندما تزرع هذه البذرة ، و تنبت ، و تأخذ بالنمو تظهر تلك الصفات تدريجياً . و هكذا فالقطة الصغيرة تشبه أبويها في هيكلها و شعرها و مخالبها .و ترث صفات أسلافها . و كذلك الطفل الافريقي فهو يشبه أبوبه في سواد البشرة و تجعد الشعر ، و وضع الأنف و لون العيون في حين أن الطفل الأوروبي يرث المميزات التي يختص بها العنصر الذي ينتمي إليه أبواه في لون البشرة و العيون و الشعر و وضع الأنف و ما شاكل ذلك و على هذا الأساس يكتسب الأبناء صفات الآباء من دون حاجة إلى أي نشاط إرادي منهم لم تكن البشرية تجهل قانون الوراثة تماماً فيما مضى ، بل كانوا يجهلون خصوصياتها ، إن علماء الماضي كانوا يعلمون أن في بذرة الزهرة و نواة الشجرة و نطفة الانسان و الحيوان ذخائر تنقل صفات الأجيال السالفة للأجيال اللاحقة و هنا لابد ان نعلم بإن ما اكتشفه علماء الوراثة اليوم و توصلوا إليه بأبحاثهم الدقيقة من وجود موجودات صغيرة داخل الكروموسومات تنقل الصفات الوراثية و التي أسموها ( الجينات )وهذا ليس أمراً جديداً ،
. فالرسول الأعظم و الأئمة الطاهرون عليهم السلام ، الذين كانوا يكشفون الحقائق بنور الوحي و الالهام
لم يغفلوا أمر هذا القانون الدقيق فإن المعنى الذي يستفيده علماء الوراثة اليوم من كلمة ( الجينة ) هو نفس المعنى الذي استفادته الأخبار من كلمة ( العِرق ) و على سبيل المثال نذكر بعض تلك الروايات التی أشير إليه في بعض النصوص و أطلق على عامل الورائة فيها اسم ( العرق ) عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) : « أنظر في أي شيء تضع و لذلك ، فإن العِرق دساس » وحينما نراجع المعاجم اللغوية في معنى كلمة ( دساس ) نجد أن بعضها ـ كالمنجد يعلق على ذلك التالیة و « العرق دساس أي : أن أخلاق الآباء تنتقل إلى الأبناء » فهذا الحديث يتحدث عن قانون الوراثة بصراحة . ويعبر عن العامل فيها بالعِراق فالنبي (صلی الله عليه و آله ) يوصي أصحابه بألا يغفلوا عن قانون الوراثة بل يفحصوا عن التربة الصالحة التي يريدون أن يبذروا فيها ، لكي لا يرث الأولاد الصفات
الذميمة ـ عن الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « حسن الأخلاق برهان كرم الأعراق» و هذا الحديث
يثبت إمكان اكتشاف الطهارة العائلية للفرد من السجايا الفاضلة عنده و هذا محمد بن الحنفية ابن الامام علي ( عليه السلام ) كان حامل اللواء في حرب الجمل ، فأمره علي بالهجوم ، فأجهز على العدو ، لكن ضربات
3 ـ الأسنة و رشقات السهام منعته من التقدم فتوقف قليلاً … و سرعان ما وصل إليه الامام و قال له : « إحمل بين الأسنة » فتقدم قليلاً ثم توقف ثانية ، فتأثر الامام من ضعف ابنه بشدة فاقترب منه و «. ضربه بقائم سيفه و قال : أدركك عرق من أمك فهنا يثبت الامام ( عليه السلام ) أن الجبن الذي ظهر واضحاً في ابنه محمد ليس موروثاً منه ( عليه السلام ) لأنه لم يعرف للجبن معنى قط ، فلا بد وأن يكون من أمه ، لأنها لم تكن من الفضيلة بدرجة تكون
معها بمنزلة الصديقة الزهراء ( عليها السلام ) و من مجموع ما تقدم، يمكننا أن نستوحي هذه الحقيقة، وهي أنّ الوراثة و التربية، من العوامل المهمّة، في رسم و غرس القيم الأخلاقيّة في حركة الواقع النفسي للإنسان، و أنّ الأبوين يؤثران على الطّفل أخلاقياً من طريقين، طريق التّكوين، وطريق التّشريع، و المراد من التّكوين هو الصفات و السّجايا المزاجيّة و الأخلاقيّة المتوفرة في الكروموسومات و الجينات، و الّتي تنتقل لا إرادياً للطفل في عمليّة الوراثةو الطريق التشريعي يتمثل في إرشاد الأبناء، من خلال أساليب التّعليم و التّربية للصفات الأخلاقيّة، التي يكتسبها الطفل من الأبوين بوعي وشعورو من المعلوم أنّ أيّاً من هذين الطّريقين، لا يكون على مستوى الإجبار، بل كلّ منهما يُهيّىء الأرضيّة لنمو و رشد الأخلاق في واقع الإنسان، ورأينا في كثيرٍ من الحالات أفراداً صالحين و طاهرين، لأنّ بيئتهم كانت طاهرةً و سليمةً، والعكس صحيح أيضاً. ولا شك من وجود إستثناءات في الحالتين تبيّن أنّ تأثير هذين العاملين، و هي: «التربية والوراثة»، لا يكون تأثيراً على مستوى جَبر، بل يخضع لأدوات التّغيير و عنصر الإختيار و و نعود بعد هذه الإشارة إلى أجواء القرآن الكريم، لنستوحي من آياته الكريمة ما يرشدنا إلى الحقيقة قال الله خاطب الباري تعالى المؤمنين وقال لهم: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ» و من المعلوم أنّ المقصود من هذه النار، هي نار الآخرة، ولا يمكن الإتقاء من تلك
النار، إلّا بالإهتمام بعمليّة التعليم و التربية السّليمة في واقع الاسرة، و التي بدورها توجب ترك المعاصي، و الإقبال على الطّاعة و تقوى اللَّه تعالى. و بناءً على ذلك فإنّ هذه الآية تعيّن و تبيّن وظيفة ربّ الاسرة، و دوره في التّربية والتعليم، وكذلك تبيّن أهميّة و تأثير عنصر التربية و التعليم، في ترشيد الفضائل و الأخلاق الحميدة، و السيّرة الحسنة و يجب الإهتمام في ترجمة هذا البرنامج، إلى عالم الممارسة و التطبيق، من أوّل لبنةٍ توضع في بناء الاسرة، أي منذ إجراء عقد الزّواج و الرّباط المُقدس، و يجب الإهتمام بإسلوب التربية، من أوّل لحظةٍ يولد فيها الطّفل، و يستمر البرنامج التّربوي في كلّ المراحل التي تعقبها فنقرأ في حديثٍ عن الرّسول الأكرم صلى
الله عليه و آله، أنّه عندما نزلت هذه الآية الشّريفة، سأله أحد أصحابه، عن كيفيّة الوقاية من النار، له و لعياله، فقال له الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله تَأمُرُهُم بِما أَمَرَ اللَّهُ وَتَنهاهُم عَمّا نَهاهُم اللَّهُ إنْ أَطاعُوكَ كنْتَ قَدْ وَقَيتَهُم وَإِنْ عَصَوكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيتَ ما عَلَيكَ «نور الثقلين: (ج 1، ص 331) ولاشک ، أنّ الأمر بالمعروف يعدّ من الوسائل الناجعة لوقاية الاسرة من الإنحراف و السّقوط في هاوية الجحيم، ولأجل الوصول إلى هذا الهدف، علينا
الإستعانة بكلّ الوسائل المتاحة لدينا، ، ولا يُستبعد شمول الآية لمسألة الوارثة، فمثلًا أكل لقمة الحلال عند إنعقاد النّطفة و ذكر اللَّه فی تلک الحال، ربما يُؤثر إيجابياً في تكوين النّطفة، و تنشئة الطّفل و حركته في المستقبل في خطّ الإيمان والصلاح و لا شكّ أنّ المدرسة الأولى للإنسان، هي واقع الاسرة، فمنها يتعلم الإنسان الدّروس الاولى للفضيلة أو الرذيلة. وإذا ما تناولنا مفهوم التربية بشكله العام«التكوين والتشريع»، فإنّ أوّل مدرسةٍ يدخلها الإنسان، هي رحم الام وصلب الأب،و الّتي تؤتي معطيّاتها بصورةٍ غير مباشرةٍ على الطفل، و تهيىء الأرضيّة للفضيلة، أو الرّذيلة في حركته المستقبليّة و قد ورد في الأحاديث الإسلاميّة تعبيراتٌ لطيفةٌ و دقيقةٌ جدّاً في هذا المجال، نشير إلى حدیثین ،
منها قال عليٌّ (ع): «حُسْنُ الأَخلاق بُرهانُ كَرَمِ الأَعراقِ و بناءً عليه فإنّ الاسر الفاضلة، غالباً ما تقدّم للمجتمع أفراداً متمّيزين على مستوى الأخلاق الحسنة، وبالعكس فإنّ الأفراد الطالحين، ينشؤون غالباً من عوائل فاسدة ورد في حديث آخر عن الإمام علي (ع)أنّه قال عَلَيكُم فِي طَلبِ الحَوائِجِ بأشراف النُّفُوسِ وَذَوي الاصُولِ الطَّيِّبَةِ، فإِنَّها عِنْدَهُم أَقضى، وَهِي لَدَيهِم أَزكَى نسال الله تبارک و تعالی ان یوفقنا بالتقوی و تهذیب النفوس و التقرب الی الله