خطبه الجمعه العاشرۀ فی یوم التاسع عشر من شهرآگوست 2022
خطبه الجمعه العاشرۀ فی یوم التاسع عشر من شهرآگوست 2022 المطابق احدی وعشرون من شهر محرم 1444 فی دور الاخلاق فی الحیاۀ الانسانیۀ فی بدایۀ حدیثی اوصیکم و نفسی بتقوی الله
کما تعرفون ان موضوع حدیثنا فی الخطب السابقه یدور حول موضوع دور الاخلاق فی الحیاۀ الانسانیه وقد اشرنا بان هناک اربع عوامل اساسیه لهم دور مهم فی تربیۀ الانسان و هذه العوامل هی دور الاصحاب و الاصدقاء و التربیۀ و الاستاذ و الرزق و قد تحدثنا سابقا عن دور التربیۀ والاصدقاء فی تربیۀ الانسان والیوم بعون الله و قوته نشیر الی دور العلم أو الحكمة و المعرفة فی تربیه الانسان ، لإنّ العلم و الحکمۀ و المعرفة هي المنبع الرّئيسي للأخلاق، و قد أثبتت التجربة أنّ العلم يساوي الأخلاق و ان الإنسان، كلّما إرتقى مستواه في دائرة العلوم والمعارف الإلهيّة، أينعت سجاياه الإنسانيّة، و تفتحت فضائله الأخلاقيّة، و العكس صحيح، فإنّ الجهل وفقدان المعارف الإلهيّة، يؤثر تأثيراً شديداً على دعامات و اسس الفضيلة، و يهبط بالمستوى الأخلاقي للفرد، في خطّ الإنحراف و الباطل و أنّ الرّذائل الأخلاقيّة سببها الجهل فمثلًا المتكبّر و الحاسد، إنّما إبتلى بهذين الرذيلتين بسبب عدم علمه بواقع الحال ،.
، فلا توجد عنده صورةٌ واضحةٌ عن أضرارهما وتبعاتهما السلبيّة، على واقع الإنسان الدّاخلي، ويقولون أنّه لا يوجد إنسان يخطو خطوةً نحو القبائح عن و عيٍ و علمٍ بها و بناءً على ذلك، إذا تمّ الصّعود بالمستوى العلمي لدى أفراد المجتمع، فإنّ ذلك بإمكانه، أن يكون عاملًا مساعداً، لتشييد صرح الهيكل الأخلاقي السّليم في المجتمع وبناءً على
ذلك فإنّ الأفراد الاميّين و الجهلة، يكونون أقرب إلى منحدر الضّلالة والخطيئة، وأمّا العلماء الواعون، فيكونون على بصيرةٍ من أمرهم ويبتعدون عن الرّذيلة، من موقع الوضوح في الرّؤية، ولا ننسى أنّ لكلّ قاعدةٍ شَواذو قد ورد في القرآن الكريم هذا المعنى، في بيان الهدف من البعثة: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُززَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ« سورة الجمعة، الآية 2» و بناءً على ذلك، فإنّ النّجاة من الضّلال المبين، و الطّهارة من الأخلاق الرّذيلة و الذنوب، تأتي بعد تلاوة الكتاب المجيد، و تعليم الكتاب والحكمة، و هو دليلٌ واضحٌ على وجود العلاقة و الإرتباط بين الإثنين و هناک شواهد حيّةً و كثيرةً من الآيات القرآنية، حول علاقة العِلم والمعرفة بالفضائل الأخلاقيّة، و كذلك علاقة الجهل بالرذائل الأخلاقيّة، ونشير هنا بشكل مختصرٌ إلى سبعة نماذج منها:
النموذج الاول : الجهل مصدرٌ للفساد و الانحراف : نقرأ في الآية (55) من سورة الّنمل:
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» فقرن هنا الجهل، بالإنحراف الجنسي والفساد الأخلاقي »
النموذج الثانی : الجهل سبب للإنفلات و التّحلل الجنسي: ورد في الآية (33) من سورة يوسف على لسان يوسف عليه السلام، في أنّ الجهل قرينٌ للتحلل الجنسي، فقال تعالى: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمّا يَدْعُونَني إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ
النموذج الثا لث : الجهل أحد عوامل الحسد: ورد في الآية (89) من سورة يوسف عليه السلام، أنّه عندما جلس يوسف عليه السلام على عرش مصر، و تحدّث مع إخوانه الذين جاءوا من كنعان إلى مصر، لإستلام الحنطة منه
، فقال َ«هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ» أي أنّ جهلكم هو السبب في وقوعكم في أسر الحسد
، الذي دفعكم إلى تعذيبه، و السّعي لقتله، و القائه في البئر.
النموذج الرابع :الجهل مصدر التّعصب و العناد و اللؤم: في الآية (26) من سورة الفتح، نرى أنّ تعصّب مشركي
العرب في الجاهلية، كان بسبب جهلهم و ضلالهم:« إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ»»
النموذج الخامس :« علاقة الجهل بالذرائع» تاريخ الأنبياء مليءٌ بمظاهر التبرير، و خلق الذّرائع من قبل الأقوام السّالفة، في مواجهة أنبيائهم، وقد أشار القرآن الكريم مراراً إلى هذه الظاهرة، و مرًّة اخرى يشير إلى علاقة الجهل بها، فنقرأ في الآية (118) من سورة البقرة: «وَقَالَ الَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ» فالتأكيد هنا على أنّ عدم العلم أو الجهل، هو الذي يتولى خلق الأرضيّة للتذرع، ».:
و تبيّن الآية الكريمة، العلاقة الوثيقة بين هذا الإنحراف الأخلاقي مع الجهل، وكما أثبتته التجارب أيضاً .
النموذج السادس :« الجهل مصدر لسوء الأدب» ورد في الآية (4) من سورة الحجرات، « إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ
مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَايَعْقِلُونَ » فقد كانوا يزاحمون الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، في أوقات الرّاحة، و في بیوت أزواجه، و يُنادونه بأعلى أصواتهم قائلين: يا مُحَمِّد! يا مُحَمِّد! اخرُجُ إلَينا فكان الرّسول صلى الله عليه و ب
آله ينزعج كثيراً من سوء أدبهم وقلّة حيائهم، ولكن حياؤه يمنعه من البوح لهم، وبقي كذلك يتعامل معهم من موقع
الحياء، حتى نزلت الآية، و نبّهتهم لضرورة التأدّب أمام الرسول (ص)، و شرحت لهم كيف يتعاملون معه صلى الله عليه و آله، من موقع الأدب و الإحترام و في تعبير: «أكثرهم لا يعقلون»، إشارة لطيفة للسّبب الكامن وراء سوء تعاملهم، و قلّة أدبهم وجسارتهم، وهو في الغالب عبارةٌ عن هُبوط الوعي الثقافي والمستوى العلمي لدى الأفراد
«أصحاب النّار لا يفقهون»و لا شك أنّ أصحاب النّار هم أصحاب الرذائل، و الملوّثين بألوان القبائح:النموذج السابع
، وقد نوّه إليهم القرآن الكريم، و عرّفهم بالجُهّال، و عدم التّفقه، و يتّضح منه العلاقة بين الجهل و إرتكاب القبائح، فنقرأ في الآية (179) من سورة الأعراف:
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَايَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَايَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ» فقد بيّنت هذه الآية وآيات كثيرةٌ اخرى، العلاقة الوطيدة بين الجهل،
و بين أعمال السوء و إرتكاب الرذائل و من هنا تبيّن ممّا جاء في أجواء تلك العناوين السبعة السّابقة التي وردت ،
في سياق بعض الآيات القرآنية، علاقة الفضيلة بالعلم من جهة وعلاقة الرذيلة بالجهل، من جهةٍ اخرى، و قد ثبت لنا بالتجربة ومن خلال المشاهدة، أنّ أشخاصاً كانوا منحرفين بسبب جهلهم، وكانوا يرتكبون القبيح و يمارسون الرّذيلة في السّابق، ولكنّهم إستقاموا بعد أن وقفوا على خطئهم، و تنبّهوا إلى جهلهم، و علموا بفوائد الأعمال الصّالحة ومضار القبائح، وكذلك الإطّلاع و التعرّف على المبدأ و المعاد، و سلوكيات الأنبياء والأولياء ومذاهبهم الأخلاقية و أقلعوا عن فعل القبائح و الرذائل، أو قلّلوها إلى أدنى حدٍّ وهنا لابد ان اشير الي هذه الحقيقه بان المراد من العلم هنا، ليس هو الفنون والعلوم الماديّة، لأنّه يوجد الكثير من العلماء في دائرة العلوم الدنيويّة، ولكنّهم فاسدين ومفسدين ويتحركون في خط الباطل و الإنحراف، ولكن المقصود هو العلم والاطّلاع على القيم الإنسانية، و التعاليم والمعارف الإلهيّة العالية، التي تصعد بالإنسان في مدارج الكمال المعنوي و الأخلاقي، في مسيرته المعنوية الأخلاقيّة، .
وبعد ما اشرنا بهذه آلایات فالاحسن ان ننظر في الأحاديث الإسلاميّة حول علاقة العِلم بالفضائل والمعرفة الإسلاميّة من جهتها، و الاحادیث مشحونة بالعبارات الحكيمة الّتي تبيّن العلاقة الوثيقة بين العلم من جهةٍ، وبين الفضائل الأخلاقيّة من جهةٍ اخرى، وكذلك علاقة الجهل بالرّذائل أيضاً. وهنا نستعرض لهذا الموضوع ستۀ احادیث:الحدیث الاول
یقول الرسول (ص)، «بِالعِلمِ يُطاعُ اللَّهُ وَيُعبَدُ وَبالعِلمِ يُعْرَفُ اللَّهُ وَيُوَحَّدُ وَبِهِ تُوصَلُ الأَرحامُ وَيُعْرَفُ الحَلالُ وَ الحَرامُ وَ العِلمُ إِمامُ العَمَلِ» ففي الحديث، إعتبر كثيراً من السّلوكيّات الأخلاقيّة الإيجابيّة، هي ثمرةٌ من ثمار العلم و المعرفة،:
الحديثٍ آلثانی یقول الامام علی علیه السلام «ثَمَرةُ المَعرِفَةِ العُزُوفُ عِنْ الدُّنيا»بيّن الإمام علي (ع)علاقة المعرفة بالزهد عن الدنیا، الذي يُعدّ من أهمّ الفضائل الأخلاقيّة،«
و المعرفة هنا يمكن أن تكون إشارةً لمعرفة «يَسيرُ المَعرِفةِ يُوجِبُ الزُّهدَ فِي الدُّنيا» الحدیث الثالث :عن علی (ع)
الباري تعالى، فكلّ شيء في مقابل ذاته المقدّسة لا قيمة له، فما قيمة القَطرة بالنسبة للبحر، و نفس هذا المعنى يمثّل أحد أسباب الزهد في الدنيا وزبرجها، أو هو إشارةٌ لعدم ثبات الحياة في الدّنيا، و فناء الأقوام السّابقة، و هذا المعنى أيضاً يحثّ الإنسان على التّحرك في سلوكه و أفكاره، من موقع الزّهد، و يوجّهه نحو الآخرة و النّعيم المقيم،
الحدیث الرابع : یقول علی عليه السلام في حديث آخرفی بيان علاقة الغِنى الذّاتي، و ترك الحرص على الامور الدنيوية، بالعلم والمعرفة ، فقال علیه السلام «مَنْ سَكَنَ قلْبَهُ العِلْمُ بِاللَّهِ سُبحانَهُ سَكَنَهُ الغِنى عَنْ الخَلْقِ» [و من الواضح أنّ الذي يعيش المعرفة، فيتوكل عليه فقط، و يرى نفسه غنيّاً عن الناس أجمعين،
الحدیث الخامس :حديث عن الرسول (ص) فقال مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَعَظَمَتَهُ مَنَعَ فاهُ مِنْ الكَلامِ وَبَطْنَهُ مِنَ الحَرامِ وحول معرفة اللَّه وعلاقتها بحفظ اللّسان من الكلام البذيء، و البطن من الحرام،
الحدیث السادس :یقول الإمام الصّادق عليه السلام، حول علاقة المعرفة بالخوف منه تبارك و تعالى،
مَنْ عَرَفَ اللَّهَ خافَ اللَّهَ وَمَنْ خافَ اللَّهَ سَخَتَ نَفْسَهُ عَنِ الدُّنيا »نسال الله تبارک و تعالی ان یوفقنا بالتقوی و تهذیب النفوس و التقرب الی الله انشاءالله تعالی »