صلاة الجمعة 10 ربیع الاول 1444
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين بناءا علی ان یوم الغد یصادف یوم الاربعین فاری مناسبا فی هذه الخطبه ان اشرح فقرۀ من کلام الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارة جده الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين: «وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالةوهذا النص المبارك يحتوي على مفاهيم ومباحث ذات مضامين عالية، نتناول مبحثين منها باختصار؛ يتعلق الأوّل منهما بكلمة «فيك» ويتعلّق الثاني بكلمة «ليستنقذ» الواردتين في النص المبحث الأوّل فی شرح جملۀ «وبذل مهجته فيك» و المعنی واضح حول كلمة «فيك» الواردة في النص. وهي هنا تعني “لأجلك”، لأنّ «في» في اللغة العربية قد تأتي بمعنى لام التعليل، بان المخاطَب هو الله تعالى و یقول الامام الصادق سلام الله علیه لله تبارک و تعالی بان تضحية الإمام الحسين کانت من أجل الله و سید الشهداء سلام الله علیه بذل نفسه و دمه و بذل نفوس اولاده و اقربائه و اصحابه لاجل الله و لاجل کلمه الله و لاجل حفظ و احیاء دین الله و سنۀ رسول الله وأن بذل الإمام الحسين (ع) لنفسه وأهل بيته وأصحابه هو من أجل استنقاذ الأمة من الجهالة وحيرة الضلالة اخوانی و اخواتی : فإنّ كل عمل إرادي يصدر منا نحن البشر يتوقف على دافع ومحرك ومنطلق، يرجع بالتحليل إلى أحد أمور ثلاثة، وهي الدافع الأوّل: أن يكون العمل للدنيا فتارة يكون الهدف من وراء العمل دنيوياً. وهذا – مع الأسف – هو حال أكثر أعمالنا، فهي – في الغالب – للدنيا. كالتاجر مثلاً يذهب إلى متجره كل يوم، ودافعه الحصول على المال، أي إنّ عمله للدنيا. ولذلك فهو لا يستحق على الله شيئاً، ولا يمكنه أن يطلب من الله أجراً على عمله، في يوم القيامة، لأنّه عمل للمال، وقد نال ما عمل من أجله، فماذا يطلب من الله؟ مثال آخر: الطالب الذي يدخل المدرسة ويطلب العلم وهدفه أن ينال الشهادة، فهو الآخر لا يستطيع أن يطلب من الله شيئاً لقاء طلبه العلم، لأنّه لم يطلبه لله، بل للشهادة وقد نالها مثال آخر: الكريم الذي يبتغي الشهرة والذكر الحسن من وراء كرمه. فلقد كان حاتم الطائي المشهور بالكرم يجود حتى بلقمته للآخرين، ولكن يروى أن زوجته واسمها ماوية لم تكن راضية على هذا المستوى من البذل، فقال رداً عليها أماويّ إنّ المال غادٍ ورائح***ويبقى من المال الأحاديث والذكر يريد بذلك: أنّ المال يزول ولكن الذكر الذي أحصل عليه بسبب البذل يبقى فإذا كان هذا حقاً هو منطلق حاتم في كرمه، فإنّه لا يستحق على الله في يوم القيامة شيئاً، لأنّه كان يطلب الذكر الحسن والسمعة الطيبة والشهرة وقد نالها وإن المهم عند الله هو الدافع. إذن، قبل أن نشرع بأيّ عمل، علينا أن نفكر أوّلاً ما هو دافعنا للقيام بذلك العمل؟ [فإنّه إذا كان للدنيا، فإنّه أحطّ الدوافع]. واما الدافع الثاني: أن يكون ظاهر العمل للدنیا و باطن العمل و حقیقته للآخرة و هنا یطرح هذا السئوال كيف يكون الباعث إلهياً؟ والجواب واضح بانه قد يفكر الإنسان و يقول: إن لم أعمل وأشتغل فكيف أستطيع أن أنفق على عائلتي من الحلال، والله تعالى يريد ذلك مني؟ فيكون عمل الشخص بدافع الامتثال لأمر الله تعالى؛ في مثل هذه الحالة يكون الباعث إلهياً وليس دنيوياً و هناک مثال آخر: الشاب الذي يتزوج ودافعه ليس مجرد إشباع رغبته الجنسية، بل ليمنع نفسه من الوقوع في الحرام وما يُسخط الله تعالى، فهذا أيضاً يكون باعثه إلهياً، ويكون لعمله هذا أجر وثواب عند الله تعالی و إنّ الإنسان يستطيع أن يقوم بالأعمال المباحة نفسها ولكن تكون دوافعه غير دنيوية ویصبغه لون الالیهۀ اما الدافع الثالث: أن يكون العمل من ظاهره و باطنه لله تعالى و هنا لاجل ایضاح المطلب و تبیین الفرق بین الدافعين الثانی و الثالث احتاج ان اوضح الموضوع بذکر و بیان بعض الامثلة و ابدا اولا ببیان مثال فیما یکون ظاهرعمل المكلف للاخرة ولکن حقیقته لهدف آخر کما إنّ أغلب الأعمال العبادية التي يقوم بها الناس اذا یعملون فی الظاهر لآخرتهم ولکن فی الحقیقه هي إما طمعاً لاجل الوصول الي الجنة في الجنة أو خوفاً من النار، ومثاله الواضح في في الأغلب فهم يستيقظون لصلاة الصبح لأنّهم يعلمون أنّ في تركها العقوبة، وخوف العقوبة أشد تأثيراً من الرغبة في الثواب إذن الباعث والمحرك في هذا القسم هو أخروي ويتمثل بالخوف من النار أو الطمع في الجنة ولكن قبل أن نبيّن رأينا في الموضوع لنستمع إلى سيدنا ومولانا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في تقييمه لهذا الباعث؛ يقول (صلوات الله وسلامه عليه): «إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرارلاشكّ أنّه يجب أن نعمل ونعبد خوفاً من النار وطمعاً في الجنة – وما أكثر المحرومين حتى من هذه المنزلة! – ولكن هذه العبادة هي عبادة الأُجراء أو التجار والعبيد وليس عبا Entezar59: دة الأحرار – كما قال أمير المؤمنين عليه السلام – فالعبد يخوّفه المولى بالعصا أو يطمعه في الأجر فيطيع ويعمل و هناک مثال ثان بانه مثال ثانٍ: قد يذهب بعض المؤمنين إلى حرم االحسن (عليه السلام) لمشكلة يريد الخلاص منها مستشفعاً بالحسین سلام الله علیه . هذا شيء جيد ولا بأس به، ولكنه يمثّل مرتبة دنيا وعلينا دائماً أن نسعى لأن نكون في حالة ارتفاع وارتقاء لنصل إلى المراتب الأعلى. فلنذهب بعض الأيام إلى حرم السيدالشهداء ليس لقضاء حوائجنا الدنيوية وإنما لأنّه جدير باحترامنا. فهذا هو المعنى العميق للزيارة إذا ابتُلي أحدنا بمشكلة أو مصيبة فليتضرع إلى الله ويدعوه، فهذا أمر حسن والله تعالى يقول: «فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا»[2]، ولكن ثمة مرتبة أعلى وهي أن ندعو الله ونبكي ونتضرع إليه ونناجيه بفنون الدعوات – كدعاء كميل مثلاً – ليس لأنّ ضغط الحاجة يدفعنا،. بل لأنّ الله تعالى أهل للعبادة وهذه الفقرة التي قرأناها في زيارة الأربعين وهي «بذَل» الحسين عليه السلام «مهجته» أي روحه «فيك»، تعني أنّ تضحية الإمام الحسين (عليه السلام) العظيمة لم تكن من أجل الجنة بل كانت من أجل الله تعالى. أجل إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يحب الجنة وكلنا نحب الجنة، ولكن تضحيات الإمام الحسين كانت «لله» تعالى. وكما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاطباً ربه: «ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك فشتان – مثلاً – بين ولدٍ يذهب لزيارة والده ويقبل يده طمعاً في ما قد يحصل منه من النقود وغيرها، وولدٍ يقوم بذلك العمل لأنّه يرى أنّ مقام الأب يقتضي ذلك. وشتان بين أن تعود شخصاً وتزوره لطمعٍ في أمواله مثلاً، وأن تزوره بسبب ما يستحقه من احترام وتقدير لقد بكى النبي شعيب (على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام) حتى ابيضت عيناه، وعندما سأله الله عن سبب بكائه قال: أبكيك حباً لك. فشتان بين بكاء شعيب (عليه السلام) وبكائنا نحن کما يقول الشاعر مخاطباً الإمام الحسين (عليه السلام )تبكيك عيني لا لأجل مثوبة*** لكنّما عيني لأجلك باكية فلنصلّ أحياناً بعض الركعات المستحبة لله، لكونه أهلاً للعبادة، فإنّ للصلاة إعظاماً لله ومن دون وجود حاجة تدفعنا قيمة كبيرة عند الله تعالى المبحث الثاني نهضة الحسين عليه السلام أفضل سبل الإنقاذ وهذا الاستنقاذ له مجالان المجال الأوّل: الإنقاذ في الإطار العام إنّ التشيّع الذي تجدونه في ایران والعراق ولبنان و افغانستان و پاکستان رهين لنهضة سيد الشهداء (عليه السلام) لان قضية كربلاء مشحونة بالبطولات العظيمة وقد اشترك فيها الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والشباب: والأحرار والعبيد والسادة… ولذلك فهي مؤثرة في كل شرائح المجتمع أيضا اًلو كنا نعرف قيمة سيد الشهداء (عليه السلام) حقاً لاستطعنا أن ننقذ العالَم كله. يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في الزيارة: «ليستنقذ عبادك» أي كل العباد، فإنّ القدرة الموجودة في نهضة سيد الشهداء بإمكانها أن تنقذ جميع العباد والبلاد؛ لما فيها من جاذبية عجيبة، لاسيما ما انفردت بها من البطولات يقول أحد الغربيين: لقد قرأت تاريخ الحروب المدوّنة كلها فلم أجد فيها من بدايتها إلى نهايتها – وهذه كلمة عظيمة – موقفاً لقائد يشبه موقف الحر الرياحي. راجعوا التاريخ كله، هل تجدون قائداً ينتقل من موقع القوة إلى الطرف المقابل الأضعف من الناحية العسكرية مضحياً بمنصبه وهو يعلم أنّ مصيره القتل قطعاً؟!! اما المجال الثانی الاستنقاذ في الإطار الخاص وأعني به إنقاذ أولادنا وبناتنا من الأخطار التي تداهمهم في هذا العصر، وأفضل وسيلة لهذا الإنقاذ نهضة ومجالس سيد الشهداء (عليه السلام)، فإن نحن وضعنا أنفسنا وأولادنا وعوائلنا في أجواء هذه المجالس والشعائر الحسينية فإنّها ستكون أفضل ضمانة لإنقاذهم ونجاتهم، أما إذا لم نهتم بهذا الأمر فإنّ الابن قد يشكّل خطراً على أبيه وعلى العائلة والمجتمع،«وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة» ایها المومنون فی نهایۀ هذا البحث اشیر الی أهمّ سبب لثورة الإمام الحسين عليه السلام وشهادته هو اجتثاث الجهل، ويتلخّص كلّ ما قيل في بيان فلسفة ثورة الإمام الحسين عليه السلام وشهادته، في هذه العبارة: «اجتثاث الجهل إنّ إزالة الجهل واجتثاثه ليس هو فلسفة ثورة سيّد الشهداء فحسب، بل إنّه يمثّل فلسفة بعثة خاتم الأنبياء ونزول القرآن وعلى هذا الأساس فإنّ أهمّ رسالةٍ للأنبياء والأولياء هي اجتثاث جذور مرض الجهل من المجتمع، فما لم يتمّ علاج هذا المرض لا يمكن أن نتوقّع أن تسود المجتمع القيم الدينية وقد أهدى الإمام الحسين عليه السلام بدوره دَمه الطاهرَ في سبيل تحقيق هذه الغاية السامية ، وبذلك فإنّ محو الجهل من المجتمع المسلم هي أهمّ حكمة تكمن وراء إحياء مدرسة الشهادة بواسطة إقامة شعائر العزاء على الإمام الحسين عليه السلام، ولابدّ من استمرار هذهالمدرسة حتّى علاج هذا المرض الاجتماعي الخطير بشكل كامل ، والسيادة المطلقة للقيم الإسلامية في العالم أيها الأخوة، ست Entezar59: زول المظاهر التي نراها بعد أيام وتتحول إلى أسماء ويتحول هذا الوجود الحي المتحرك النابض الآن إلى اسم على قبر، واعلموا أنّ «اليوم عمل ولا حساب وإن غداً حساب ولا عمل وإنّ هذه الأعمال، وهذه الدموع، وهذه المجالس، وهذه الشعائر هي التي ستبقى لنا. و أن الشيعة يخلّدون الحسين لأنهم يخلدون بالحسين (ع)، لانهم یستلهم من نهضته الدروس والعبر والمبادئ والقيم، فحينما نحيي مجالس أبي عبد الله الحسين نحيا بهذه الذكرى أحيا الأمة والإسلام نسأل الله تعالى أن لا يحرمنا من هذا الفيض العظيم، فيض بركات مجالس وشعائر أبي عبد الله عليه السلام