خطبه الجمعه فی یوم 9 دسامبر2022 المطابق 14 جمادی الاولی 1444

خطبه الجمعه فی یوم 9 دسامبر2022 المطابق 14 جمادی الاولی 1444 فی مناسبۀ استشهاد فاطمه الزهرا بعد ما اوصیکم و نفسی بتقوی الله و نظم امورکم و بما اننا لا زلنا نعيش في اجواء شهادة بنت النبی الخاتم و ام الائمۀ الابرار السيدة الشهیده المظلومۀ فاطمة الزهراءسيدة نساء العالمين فاخصص هذه الخطبه حول تعریف حیاۀ  فاطمة الزهراء(ع) التي كانت حياتها مدرسة نتعلم فيها الايمان والعبادة والطاعة والقيم والاخلاق والفضائل وتحمل المسؤولية على كل صعيد و نحب  ان نشیر الی بعض فقرات من حیاۀ الزوجیه لفاطمه الزهرا سلام الله علیها لکی نتعلم منها كيف يمكن ان يوازن الانسان بين ظروفه وامكاناته المادية وبين مستوى معيشته الیومیه بحیث لا يرهق الزوج زوجته باكثر مما تتحمل او باكثر من قدرتها وطاقتها، ولا ترهق الزوجة زوجها بكثرة طلباتها وبأكثر مما يتحمله اخوانی و اخواتی لقد عاشت السيدة فاطمة الزهراء في بيت زوجها حياة البساطة،و رغم انها کانت بضعۀ المصطفی وبنت اشرف الانبیاء و خاتمهم وکانت سیدۀ النساء العالمین من الاولین الی آلاخرین و لکن لم تكن حياتها حياة مترفة، بل ان بعض الروايات تكشف عن ظروف حياة قاسية وشاقة عاشتها الزهراء وواجهتها بصبر وتحمل ومسؤولية و من ينظر في حياة الزهراء(ع) من زاوية ادارة الشؤون المنزلية وادارة الحياة الأسرية يجد أمرين اساسيين: الاول: قيام سيدة نساء العالمين بالعمل داخل البيت والاستغناء عن الخادم  انطلاقا من اعتبارعمل المرأة في المنزل عبادة، الثاني:إرساءها مبدأ المشاركةوالتعاون بينها وبين زوجهاعلي(ع) في ادارة الحياة الزوجية وشؤون البيت اما فيما يتعلق بالامر الاول: نجد انه على الرغم من علو مقام الزهراء(ع) ومكانتها الرفيعة عند الله وفي الأمة، وعلى الرغم من انشغالاتها الاجتماعية وقيامها بدور رسالي وثقافي وسياسي احيانا، وعلى الرغم من انه ليس من واجب المرأة بحسب الفقه الاسلامية القيام بالأعمال المنزلية وخدمة الزوج وتربية الاولاد، بالرغم من ذلك نجد الزهراء تهتم بکافۀ خدمات المنزل ولا تستنكف عن ادارة شؤون البيت وتأدية ما يحتاجه من اعمال التنظيف والترتيب والكنس والطبخ، ولا تتخلى عن متابعة وملاحقة اولادها بالتربية الصحيحة والقيام باحتياجاتهم داخل الاسرة لم تكن الزهراء(ع) ترهق زوجها بأعباء وجود خادمة في المنزل وتحمله فوق إمكاناته لترتاح من أعمال البيت، كما انها حتى عندما أمن لها النبي(ص) خادمة تساعدها لم تترك أعمال المنزل او متابعة الاولاد وتربيتهم للخادمة كما تفعل الكثيرات من النساء اليوم، بل كانت تقوم بنفسها بكثير من الاعمال المنزلية الشاقة حتى ظهرت أثار الجهد والتعب على جسدها، وكانت تتابع بنفسها تربية اولادها وتعطيهم من حنانها وعطفها واهتمامها ما ينبغي ان تعطيه الام لاولادها لينشؤوا النشأة الصحيحة وكانت الزهراء(ع) تبذل كل جهدها لإسعاد اُسرتها، ولم تستثقل القيام بمهام البيت رغم كلّ الصعوبات والمشاق، ایها المومنون و ایتها المومنات نحن اذا نرید ان ننور بیوتنا بنور المحبة و الالفة و الحنان  و اذا نرید ان نکسب رضالله على نسائنا ورجالنا وكل افراد الاسرة من شباب وصبايا فعلینا ان نعلم ان الخدمة في المنزل والتعاون داخل المنزل له اجره وثوابه وفضله، وهو يرقى الى بعض الاعمال العبادية فصحيح ان العمل المتعارف في المنزل ، كالطبخ والتنظيف وغسل الملابس ونحوه،  ليس واجبا على الزوجة من الناحية الشرعية، ولكن الروايات كثيرة في اجر وثواب عمل الزوجة في خدمة زوجها وبيتها واسرتها فعن الامام الصادق(عليه السلام) , قال سألت أم سلمة رسول الله (ص) عن فضل النساء في خدمة أزواجهن، فقال (ص): ما من امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع إلى موضع تريد به صلاحا إلا نظر الله إليها، و من نظر الله إليه لم يعذبه فقالت أم سلمة (رضي الله عنها): زدني في النساء المساكين من الثواب بأبي أنت وأمي فقال(ص ) :« يا أم سلمة، إن المرأة إذا حملت، كان لها من الأجر كمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله (عز و جل)، فإذا وضعت قيل لها: قد غُفر لك ذنبك فاستأنفي العمل، فإذا أرضعت فلها بكل رضعة تحريررقبة من ولد إسماعيل کما  ورد في وصايا النبي( ص) للزهراء أنه قال يا ‘فاطمة! ما من إمرأة تسقي زوجها شربة ماء إلا كان خيرا لها من عبادة سنة ويا ‘فاطمة’! ما من إمرأة طحنت بيديها إلا كتب الله لها بكل حبة حسنة ومحا عنها بكل حبة سيئة يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة عرقت عند خبزها، إلا جعل الله بينها وبين جهنم سبعة خنادق من الرحمة يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة غسلت قدرها، إلا وغسلها الله من الذنوب والخطايا يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة نسجت ثوباً، إلا كتب الله لها بكل خيط واحد مائة حسنة، ومحا عنها مائة سيئة يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة غزلت لتشتري لأولادها أو عيالها، إلا كتب الله لها ثواب من أطعم ألف جائع وأكسى ألف عريان اما فيما يتعلق بالامر الثاني: فقد كان بيت عليّ وفاطمة (عليهما السلام) أفضل نموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة، والتعاون والمشاركة وتقسيم المهام والادوار، فقد تعاونا على إدارة شؤون البيت وإنجاز أعماله، بعدما قسَّم النبيُ (ص) الأعمالَ بين السيدةِ فاطمةَ وزوجِها علي(ع) ، حيثُ جعلَ الأعمالَ داخل البيت على عهدة السيدة فاطمة، بينما جعلَ الأعمالَ الخارجية على عهدة علي (ع) عندما تسود روح الشراكة والتعاون داخل البيت ويتحمل الجميع مسؤوليته في ادارة الشؤون ويساهم الجميع ببعض الاعمال وتقسم الادوار ولا يتكلون على الزوجة وحدها، فان الاعباء تصبح مقبولة والحياة تصبح اكثر هدوءا وسعادة وهذه الروح روح المشاركة المنزلية كانت موجودة بقوة في بيت علي وفاطمة وموجودة لدى رسول الله(ص) نفسه، ففي ذات يوم دخل رسول الله (ص) على عليّ (ع) فوجده هو وفاطمة يطحنان في الجاروش، فقال النبيّ (ص): “أيّكما أعيى؟فقال عليّ (ع)فاطمة يا رسول الله” فقال (ص) : قومي يا بنية، فقامت وجلس النبي (ص) موضعها مع علي عليه السلام فواساه في طحن الحبّ وروي عن جابر الأنصاري أنّه رأى النبي (ص)فاطمة وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله (ص)، فقال: ” يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة” فقالت: يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائهِ”، فأنزل الله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز لقد كانت فاطمة تواجه كل التعب والعناء بالصبر والتحمل وروح الايثار، لأنّها كانت تعرف ان وراء الصبر نعيماً لا حدود له،( يوم يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب ),إنّ إلقاء نظرة معمقة على حياة الزهراء (ع) توضّح لنا أنّ حياتها الشاقة لم تتغيّر حتى بعد أن أصبح لديها أموال وفيرة، وأصبحت في سعة من العيش ، خصوصاً بعد فتح بني النضير وخيبر وتمليكها أرض فدك وغيرها ، فقد روي أنّ فدكاً كان دخلها أربعة وعشرين ألف دينار، وفي رواية سبعين ألف دينار سنوياً وهو مبلغ كبير جدا بمقاييس ذلك الزمن، وكان بامكان الزهراء(ع) بهذا المبلغ ان تقلب حياتها ولكن الزهراء(ع) لم تغير من نمط حياتها ولم تعمر الدور ولم تبن القصور ولم تلبس الحرير والديباج ولم تَقْتَنِ النفائس، بل كانت تنفق كلّ ذلك على الفقراء والمساكين وفي سبيل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام  اخوانی و اخواتی لقد كانت حياة علي والزهراء مصداقاً واضحاً وبارزاً لتلك التعاليم والارشادات التي تجعل من الحياة العائلية حياة سعيدة بلا حدود وها هو أمير المؤمنين  يوضح احترامه ومراعاته لحقوق زوجه الزهراء في الكلمات التالية: «فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنى الهموم والأحزان». فلا هو  تجاوز ولا هي عليها السلام قصرتومن جهتها هي أيضاً أكدت على ذلك في وصيتها المعروفة له قبل وفاتها حيث قالت: «يابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائفة ولا خالفتك منذ عاشرتني»، فيجيبها عليّ  مباشرة: «معاذ الله أنت أعلم بالله وأبّر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله من أن أوبّخك بمخالفتي اَلسَّلاَمُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ السَّلاَمُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِّيقَةُ الشَّهِيدَةُ السَّلاَمُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْمَظْلُومَةُ الْمَغْصُوبَةُ فی مثل البارحۀ بعد ما دفن امیر المومنین الصدیقۀ الکبری، هاج به الحزن و الغم ، و قال إنا لله وإنا إليه راجعون ،  فنظر الی مضجع الرسول و قال يا رسول الله لقد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد ولا يبرح ذلك من قلبي حتى يختار الله لي دارك أنت بها مقيم ، كمد مبرح وهم مهيج ، سرعان ما فرق بيننا يا رسول الله فبعين الله تدفن ابنتك سرا ، ويهتضم حقها قهرا ، ويمنع ارثها جهرا ، ولم يطل منك العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، فإلى الله المشتكى، وفيك أجمل العزاء، وصلوات الله عليك وعليها ورحمة الله وبركاته ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *