خطبه الجمعه الثانیه عشرۀ فی یوم 11نوامبر 2022
خطبه الجمعه الثانیه عشرۀ فی یوم 11نوامبر 2022 المطابق 16من شهر ربیع الثانی 1444 فی دور الاخلاق فی الحیاۀ الانسانیۀ فی بدایۀ حدیثی اوصیکم و نفسی بتقوی الله کما تعرفون ان موضوع حدیثنا فی الخطب السابقه یدور حول موضوع دور الاخلاق فی الحیاۀ الانسانیه وقد تحدثنا سابقا أنّ إحدى الطّرق المؤثرة لتهذيب النّفوس، هو معرفة المبدأ و المعاد، والیوم نرید ان نبحث هل هناک طرق آخر غیر معرفة المبدأ و المعاد، لکسب الفضائل الاخلاقیۀ ولصياغة الدّعائم الأساسيّة للأخلاق ؟ ام لا توجد طرق اخری ؟ولاجابۀ هذا السئوال نلاحظ ان علماء الأخلاق والفلاسفة، قد إختلف في صياغة الدّعائم الأساسيّة للأخلاق بشكلٍ كبيرٍ،و نشير هنا بعض منها مثلا البعض منهم يوصي بالأخلاق، لأنّ الانسان الذی یراعی الاخلاق یعود له بالنّفع المادّي المباشر، فمثلًا قد نرى تاجراً، يحرص أن يكون في منتهى الأدب و اللّطف و اللّياقة مع زبائنه، لأجل كسب المزيد منهم، ولكنّه مع عائلته و أولاده، يكون في منتهى الفضاضة، لا لشيء إلّالأنّ الأخلاق الحسنة مَحلُّها في محلّ عمله، وستعود عليه بالنّفع المادي الأكثر فمثل هذه الأخلاق لا دعامة لها، إلّاالنّفع و الإستغلال، وأهمّ عيبٍ في المسألة، هو أنّه لا يعير للأخلاق أهميّةً ولا أصالةً، لأنّه يستمر في إستغلاله، سواءً كان عن طريق الأخلاق، أم بعقيدته التي هي ضدّ الأخلاق وذهب البعض الآخر إلى صياغة حِكمةٍ معدّلةٍ لهذا النمّط من الأخلاق، و نادوا بالأخلاق لا من أجل المصالح الشّخصيّة، ولكن لتعود على مصلحة البشر جميعاً، لإعتقادهم بأنّ الأسس الأخلاقيّة إذا تزلزلت في المجتمع، فستتحول الحياة إلى جهنّم تحرق كلّ شيء، وستتحول أدوات الإلفة والتعاون في المجتمع، إلى حطبٍ يُبقي النار مشتعلةً، في حركة الواقع الإجتماعي المضطرب هذا النّوع من التّفكير يعتبر أرقى من سابقه، ولكنّ الأخلاق هنا مجرد وسيلةٍ لجلب النّفع و الرّاحة و الرّفاه، ولا أساس للفضائل الأخلاقية فيها، فالماديّون لا يمكنهم أن يتجنبوا مثل هذا النوع من التّفكير، لأنّهم لا يعتقدون بالوَحي ولا نُبوّة الأنبياء، وينزلون بالأخلاق من السّماء إلى الأرض، و يجعلونها مُجرد وسيلةٍ للإنتفاع والرّاحة والإستغلال لا أكثر ،و على أيّة حال، فإنّ الإيمان بالأخلاق الّتي يكون أساسها النّفع و الإستغلال، يخدش أصالة الأخلاق، ويقلل من قيمتها وقدسيّتها، ومن ناحيةٍ اخرى فإنّ الإنسان في حالة تقاطع مصلحته مع الأخلاق، فإنّه سيضرب بالأخلاق عَرض الحائط، و يتّبع مصلحته الشخصيّة، الّتي إعتبرها دعامته و أساسه، في حركة السّلوك الإجتماعي والأخلاقي اما الفلاسفة الّذين يعتقدون بحكومة العقل ولزوم اتّباعِه في كلّ شيء، يعتبرون دعامة الأخلاق هي إدراك العقل: للقبيح والحسن من الأفعال والصّفات الأخلاقيّة، فمثلًا يقولون أنّ العقل يُدرك جيّداً أنّ الشّجاعة فضيلةٌ والجبنُ رذيلةٌ، و الأمانةُ و الصّدقُ فضيلةٌ وكمالٌ، و الخيانةُ و الكذبُ نقصانٌ، ونفس إدراك العقل لها، هو الباعث والمحرّك لإتّباع الفضائل وترك الرذائل و هناک البعض الآخر، يقولون: الوجدان و الضّمير أهمّ شيء في الإنسان، لأنّ العقل النّظري يمكن أن يُخطيء، اما أنّ الوجدان وهو العقل العملي، ليس كذلك، وبإمكانه أن يقود البشريّة إلى ساحل الأمن والسّعادة و عليه، و بما أنّ الوجدان يقول: إنّ الأمانة و الصّدق و الإيثار، و السّخاء، و الشّجاعة هي امور حسنةٌ وجيّدةٌ، فهو بمفرده يكون دافعاً و مُحرّكاً، نحو نيل تلك الأهداف والفضائل وكذلك بالنّسبة للبُخل، والأنانيّة و أمثالها، فإنّ الوجدان يقول أنّها قبيحة، وذلك يكفي في الإرتداع عنها وتركها و لاشک بان الدّعامة العقلية و الوجدانيّة تعبيران مختلفان لحقيقةٍ واحدة ، و مع ذلک أنّ وجود هذا الأساس في حدّ ذاته دافعٌ حسنٌ للسّعي إلى تربية النّفوس، و ترشيد الفضائل الأخلاقية، في واقع الإنسان والمجتمع ولكن الوجدان والعقل يمكن أن يُخدع، هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ اخرى: أنّ الوجدان و بالتّكرار لفعل القبائح و الرّذائل، فإنّه سيأنس بها و يتعوّد عليها، مضافا بان الضّميرإذا لم يتّخذ الإنسان تدابير لازمة لإصلاحه وتزكيته يمكن أن ينحرف وليس بمعصوم عن الخطأ، ، ونلاحظ من جمیع ما ذکرنا من الدّعامات والأسس، بانه لا تخلو ولا تسلم من الخطأ والإنحراف و لذلک الطریق الوحید والدّافع الوحيد الخالي عن الخطأ و الإشتباه، والعاري من كلّ نقص في دائرة المسائل الأخلاقيّة، هو الدّافع الإلهي الذي يكون مصدره اللَّه تعالى، و الوحي، في إطار التّعاليم الدينيّة اخوانی و اخواتی إذا شبّهنا الأخلاق بشجرة باسقةٍ مثمرةٍ، معرضةٍ للآفات والأخطارِ، فدعامتها الأخلاقيّة يمكن أن نُشبّهها بالفلّاح، أو الماء الذي يجري من تحتها، ولولا الماء والفلّاح ليَبِست تلك الشّجرة، أو لأصيبت بأنواع الآفات و الأمراض، حتى تموت أو يغدو ثمرها قليلًاوالحقيقة أنّ الأعمال الصالحة والطالحة تؤثر في روح الإنسان وتبلورها، وتحكّم الخلق السيّ، و الحسن فيها، ولهذا الأمر صدىً واسعاً في الأحاديث الإسلاميّة، کما نقرأ في حديثٍ عن الإمام الصادق عليه السلام: كان أبي يقول: «ما مِن شيءٍ أفسدُ لِلقلَبِ مِن خَطيئةٍ، إنّ القَلبَ ليُواقِع الخَطِيئةَ فَما تَزالُ بِهِ حتّى تَغلِبَ عَلَيهِ فَيَصِيرَ أعلاهُ أسفَلَهُ طبعا هذا الحدیث ،اکثر ما ينظر إلى تحول وتغيّر الأفكار و تأثّرها بالذنّوب، ولكن و بصورة كليّة، فهو يبيّن تأثير الذّنوب في تغيير روح الإنسان وفي حديثٍ آخر عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أذنَبَ الرّجلُ خَرَجَ في قَلبِهِ نُكتَةٌ سَوداءٌ، فإنْ تَابَ إنمَحَتْ وَإنْ زَادَ زادَتْ، حتّى تَغلِبَ عَلى قَلبِهِ، فَلا يَفلِحُ بَعدَها أبداً» ولأجل ذلك نبّهت الأحاديث الإسلاميّة على خطورة الإصرار على الذّنب، و أنّ الإصرار على الذّنوب الصّغيرة يتحول إلى الكبائر وجاء هذا المعنى في الحديث المعروف، عن الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام،بانه جعل الأصرار على الذّنب، من الذّنوب الكبيرة لأنّ تكرار عملٍ ما، له تأثير في قلب و روح الإنسان بصورةٍ قطعيةٍ، و يصبح مصدراً لتكوين الصّفات الرّذيلة والقبيحة، ولأجل ذلك جاءت الأوامر للمؤمن إذا ما أذنب وأخطأ، بالتّوبة السّريعة، ليمحي آثارها من القلب، ولئلّا تصبح عنده على شكل «حالةٍ» و «مَلكةٍ» و صفةٍ باطنيّةٍ، فجاء في الأحاديث الشّريفة، أنّه يتوجب على الإنسان أن يجلو الصّدأ من على قلبه، كما نقرأ في الحديث عن الرّسول الكريم صلى الله عليه و آله إنّ القُلُوبَ لَتَرِينُ كَما يَرِينُ السّيفُ، وَ جَلاؤها نسال الله تبارک و تعالی ان یوفقنا بالتقوی و یتهذیب النفوس و التقرب الی الله انشاء الله تعالی